الفصل الخامس: أنا أدور وأدور

 



كان اسمه جيانلوكا بيريكولو.

كان مريضاً جداً في طفولته. وعندما فقد الأطباء الأمل، تدخلت باشوني وأنقذته. فانضمَّ هو ووالده نونزيو بيريكولو إلى المنظمة لسداد الدين.

قبل ستة أشهر، علم بوفاة والده، لقد وضع مسدساً على صدغه، وسحب الزناد.

أغلب الناس سيعتقدون بأنَّ ذلك كان انتحاراً. لم يكن جيانلوكا من بين تلك الأغلبية.

لقد ضحَّى أبي بحياته للرئيس من أجلي.

كان على يقين من أنَّ هذه هي الحقيقة. كان والده في مهمة سرية لدرجة أنَّه لم يخبر ابنه بكلمة. جمع جيانلوكا رجاله لأنَّه كان متأكداً من حصول اضطراب قريب في باشوني. واستعد للأسوأ. وبعد أقل من أسبوع، كشف الرئيس هويته على الملأ. كان الجميع مصدومين.. الجميع ما عدا بيريكولو. زار كلَّ رئيس فرعي من دون أن يحمل سلاحاً، وأقنعهم بالاعتراف بولائهم.

قال لهم: "الإقسام بالولاء المطلق لجورنو هو الخيار الصحيح."

كان والده قد ضحَّى بحياته للحفاظ على استقرار باشوني، وحان دوره الآن. ُمنح كلَّ الأراضي التي كان يديرها والده تقديراً لجهوده. وترقَّى بسرعة إلى منصب مساعد للرئيس، يعمل تحت إمرة غويدو ميستا مباشرة.

لكنه لم يغترَّ بذلك. كان هذا عمل والده. وهو يخدم فقط في مكانه. احتفظ بتواضعه وباحترامه.

بمجرد أن تلقَّى بيريكولو الرسالة، ذهب لإبلاغ الرئيس بمحتواها.

قال: "المعذرة."

كان الرئيس في مكتبة في نابولي، يدرس للمدرسة الإعدادية والثانوية والجامعة. كان الرئيس -رسمياً- طالباً هنا. نادرا ما كان يحضر الدروس، لكن عندما يرغب بأن يكون وحده مع أفكاره فغالباً ما يأتي إلى هنا. على الأقل خلال الليل عندما لا يكون هناك طلَّاب.

لم يكن وقت افتتاح المكتبة قد حان، لذلك كانت الأضواء مطفأة. شقَّ بيريكولو طريقه عبر الظلام. أدرك أمناء المكتبة أنَّه من الأفضل عدم التدخل في أعمال العصابات، وفضَّلوا التراجع عندما يكون موجوداً.

لا صوت في أي مكان. لا صوت يغطِّي على صدى خطواته.

كلَّما تعمَّق أكثر، تصير الكتب أقدم، إلى أن صارت كلُّها كتباً باللغة اللاتينيَّة.

كان هناك فتى في ركن تاريخ الفن، يجلس على كرسي طويل مصمم للوصول إلى الرفوف العلوية، يقلِّب في كتاب عنوانه "سياسة مايكل أنجلو" بقلم جورجيو سبيني.

"هل قاطعتُ قراءتك؟"

لوَّح الصبي بإصبعه، مشيراً له بأن يكمل كلامه.

انحنى بيريكولو، وبدأ: "تلقَّينا تقريراً من كانولو مورولو، من المخابرات. لقد هزموا زعيم فريق المخدرات، فلاديمير كوكاكي. بقي ثلاثة فقط."

قال الفتى: "هذا مخزٍ. لقد كان رجلا طيباً."

مع أنَّه أصدر الأمر بنفسه، إلا أنَّه حافظ على احترامه له.

ككثير من الأحيان، أُعجب بيريكولو بجرس صوت الفتى، كان مهيباً كالصوت الصادر من عزف مزامير الأرغن في الكنيسة.

أضاف الفتى: "ما زال الأمر بعيداً عن النهاية."

استعاد بيريكولو تركيزه قائلاً:

"نعم ، أخشى ذلك. لم تذكر الرسالة شيئاً عن ماسيمو فولبي. لا شك بأن كوكاكي هاجمهم لوحده ليمنح فريقه وقتاً للهروب. لم يتمَّ تحديد موقعهم بعد."

أومأ الفتى وأعاد نظره إلى الكتاب. كانت طريقته في تقليب الصفحات أنيقة.

"أي تعليمات أخرى؟"

لوَّح الفتى بإصبع. مشيراً إلى أنَّه لا حاجة لذلك.

"هل أنت متأكِّد من أنَّك لا تريدني ورجالي في هذا؟ الأهداف أقوياء ولم نرسل في أثرهم سوى قلة.."

لقد اقترح هذا من قبل. لم يكرمه الفتى حتَّى برد. لا جدوى من تكرار الكلام.

حشد بيريكولو كلَّ شجاعته وقال: "هل يمكنني السؤال عن أمر واحد..؟"

أومأ الفتى.

"هل تثق في فوغو؟ أجد صعوبة في وضع ثقتي فيه. ضحَّى والدي بحياته من أجل المهمة التي اختار الدفاع عنها. أمَّا هو فقد تخلَّى عن زملائه في الفريق وفتاة بريئة لإنقاذ نفسه. تكليفُ رجلٍ كهذا بمهمة خطرة.. يبدو بعيداً عن الحكمة."

كان على استعداد تامٍّ لتلقِّي توبيخ على هذا التصريح، ولكن لم يبدُ أيُّ غضبٍ على وجه الفتى.

قال: "أعرف ما تعنيه."

"إذن.. لماذا؟"

لا إجابة. اضطر بيريكولو للتخلي عن المسألة.

"هل أدفع لشرطة صقلية ليبحثوا عن فولبي؟"

مرة أخرى، لوَّح الفتى بإصبعه.

ما قاله بعد ذلك جعل عينا بيريكولو جاحظتين حتَّى كادتا تخرجان من رأسه.

"ماذا!؟ ما الذي تقصده بأنهم هم من سيخبروننا بمكانهم؟"

***

"آااااااااااااغه! آااااااغه! آاااااااعه!"

دوت الصرخات مُمزِّقة حلقَ فيتوريو كاتالدي كما لو كان حزنه يحاول قتله.

"آاااااه! هذا كلُّه خطأي! كان يجب أن أذهب أنا للقتال.. لم يكن كوكاكي ليُقتل لو ذهبتُ أنا!"

عضَّ شفتيه بشدَّة ومزَّقهما، سال الدم غزيراً على ذقنه.

كانت الغرفةُ التي يوجد فيها غريبة المظهر، كانت هناك علامات عضَّات في جميع أنحاء الجدران.

حتَّى تلك اللحظة، كانت علامة عضَّة جديدة تظهر على أحد الجدران. كان خنجر فيتوريو مُعلَّقاً على وسطه، وينعكس الجدار على نصله، ناقلاً سبعين بالمائة من الضرر الذي يلحق به.

أخذ فيتوريو يضرب رأسه بجدار. وأخذت الخدوش تظهر في جدار آخر. كانت الجدران أصلب بكثير من جمجمته، كانت ضربة من الضربات قاسيةً بما يكفي لتقتله على الفور لولا قدرة الستاند الخاص به. كان يرمي بنفسه على الجدار بكلِّ قوته، من دون أيِّ اعتبارات لسلامته.

ربَّما قاد افتقارُه إلى السيطرة على أعصابه الجزءَ المسؤول في دماغه عن حفظ النفس لينتج ستانداً

ينقل الضرر.. أو ربَّما أدَّتْ السنوات التي قضاها تحت حماية الستاند إلى تهوُّره. لا أحد يعرف على وجه اليقين، ولم يخطر بباله أبداً أن يتساءل.

لحق به ثلاثون في المئة من الضرر، لذلك كان رأسه مغطَّى بالدم... لكنَّ هذا لم يوقفه.

كانت أنجيلكا جالسةً في الزاوية تبكي. حاول فيتوريو تعزيتها عدَّة مرات، لكن دون جدوى. وكلَّما فشل لجأ إلى المزيد من الأذى لنفسه.

فُتح الباب ببطء، ودخل ماسيمو فولبي.

لم ينظر إليه الآخران. كانا مستغرقين في أحزانهما. لم يقل فولبي شيئاً. مشى إلى وسط الغرفة، وانهار.

كان هناك صمت طويل، لا يقطعه سوى شهيق وضرب إيقاعي لرأس على الحائط. ثم توقف الأخير.

قال فيتوريو: "ليس لدي خيار الآن." "عليَّ أن أذهب لإحضار ذلك الشيء الذي تحدَّث عنه كوكاكي."

قال فولبي: "لكنَّه.. قال بأنَّه الملاذ الأخير. نحن لا نعرف حتَّى ما الذي يفعله."

"هل لدينا أفكار أخرى؟ لقد هزموا كوكاكي! لا أعرف حتَّى إذا كان بإمكاني قتلهم وإن تسبب ذلك بمقتلي معهم. نحن بحاجة إلى استعمال كلِّ ما لدينا."

"هل تعتقد أنَّه سيفيدنا؟"

"حسناً.. حتى كوكاكي بدا متردداً."

 

"سببُ قراري بنقل المعركة إلى صقلية ليس فقط كونها موطني وأنَّني أعرف تضاريسها، أو لأنَّ تأثير باشوني فيها ليس قوياً. هناك سبب آخر، سبب يعود إلى الاحتلال النازيِّ.

"خلال فترة الاحتلال، كان النازيُّون منشغلين بمشروع عن بحث معيَّن. كان الجزء الأكبر من اهتمامهم منصَّباً على روما، لكن كان هناك فريق آخر هنا في صقلية.

"كان النازيُّون يجوبون العالم باحثين عن شيء ما حلم به العديد من الأباطرة القدماء. وأراده أيضاً ذلك الفوهرر الأحمق.

"الحياة الأبديَّة.

"حلم النازيُّون بجيش قويٍّ من الجنود لا يمكن قتله. أهدروا الكثير من الموارد في البحث. لكنَّ الرجل المسؤول عن ذلك، عقيد برتبة SS يُدعى رودول فون ستروهيم، قُتل في معركة ستالينغراد، واستردَّتْ قواتُ الحلفاء صقلية قبل أن ينقلوا اكتشافهم ذاك. وما يزال مدفوناً هناك حتَّى هذا اليوم.

"ما الذي اكتشفوه بالضبط؟ لا أعرف. كان كلُّ ما وجدته كلماتٍ، تعليمات حول كيفية استعماله:

 

"الدمُّ هو الحياة."

 

عند تذكُّره هذا، وجد فولبي نفسه يرتجف.

"محاربون لا يقهرون ولا يموتون..؟"

"هذه طريقتنا الوحيدة كي نفوز!" بدا فيتوريو يائساً.

تجهَّم فولبي وتمتم قائلاً: "هل نحن بحاجة إليها للانتقام لكوكاكي..؟"

فجأة، أطلقت أنجيلكا صيحة عالية، محدقة في اللاشيء، والغضب بادٍ على وجهها، وصرخت: "عليهم أن يدفعوا الثمن... عليهم أن يدفعوا الثمن... علينا أن نجعلهم يدفعون! عليهم أن يدفعوا ويدفعوا ويدفعوا!"

أومأ فيتوريو برأسه وقال: "علينا القيام بذلك! إنَّه الأمر الوحيد الذي يمكننا فعله!"

قفز على قدميه، وخرج مُسرِعاً من الغرفة. وتبعته أنجيلكا.

جلس فولبي وحده في الغرفة للحظة... ثمَّ رفع قدمه وتبعهم.

تاركاً خلفهم رعباً مطلقاً.

كان كلُّ ركن من أركان الغرفة مغطَّى بدمٍّ بشريٍّ. تدلَّتْ قطعُ لحم على الأسطح. وانحشرت عظام مكسورة بالجدران، مُعلَّقة حيث تمَّ قذفها. وتدلَّى ذقن من السقف.

بقايا عشرين رجلا، دُمرِّوا بطريقة لا يمكن تصوُّرها، وتناثرت أجزاؤهم في الغرفة.

كان هذا من عمل ستاند ماسيمو فولبي الهائج. تمتم بشيء وهو يشق طريقه عبر المذبحة.

"ولكن ما هو بالضبط هذا القناع الحجري؟"

***

قال مورولو وهو يخطو داخل الغرفة المضرجة بالدماء: "هذا.. مقرف."

قالت شيلا-إي عابسة: "ما هذا بحق الجحيم؟"

"إنَّهم من السكان المحليين، رجال عصابات صقليُّون، ليسوا من باشوني، أصدقاء لكوكاكي.. عندما مات، قرَّروا أنَّه لا فائدة من إخفاء فولبي وفريقه، وانقلبوا عليهم. فقضوا على أنفسهم."

سـأل فوغو: "هل فعلوا هذا بالناس الذين كانوا حلفاءهم منذ لحظات وحسب؟" لقد كان محتاراً أكثر من كونه مرتعباً، " ألم يكن بإمكانهم الهرب وحسب؟ يمكنهم الهرب بعيداً بسهولة. ليس هناك سبب.. لذبحهم."

عادة ما يُقصد بهذه الوحشية أن تكون رسالة لأولئك الذين يجدونها، لكن هذا تجاوز الحدود.

رمقته شيلا-إي وقالت بغضب: "لم يكونوا حلفاء أبداً."

"هه؟"

"لم تكن بينهم ثقة، ولا أخذ ولا عطاء. لم يكن لديهم شركاء، ولا تنظيم. لم يعمل أفراد فريق المخدرات أبداً مع أحد سوى بعضهم الآخر."

نظرتْ إلى الجثث حولهم بهدوء.

كاد فوغو أن يسألها إذا كانت تصف نفسها أيضاً، ولكنَّه قرَّر التوقُّف.

شعر أنَّ سلوكها قد تغيَّر مؤخراً. في البداية كانت تحدِّق به لفترات طويلة، أمَّا الآن فهي تبدو وكأنَّها تبذل ما في وسعها لتتجنَّب التقاء بصريهما. ربما لأنَّه كاد يخنقها خلال القتال مع كوكاكي.

لكن لم تكن لديَّ فكرة عمَّا إذا كانت تحت سيطرته أم لا. لم يكن لدي خيار.. من الوضح أنَّها صارت تكنُّ لي ضغينة.

كان مزاج فوغو يزداد كآبة. شعر بأنه يُحشر في زاوية، دونما مخرج.

لكن مورولو، الغافل عن التوتر بينهما، أعلن بمرح: "لن نضطر حتَّى للبحث عنهم! سنتوجَّه مباشرة إلى وجهتهم، فهم يتركون جبلاً من الجثث حيثما حلُّوا، غافلين عن العواقب! فهي ستخبرنا بالضبط أين هم ذاهبون!"

زفر وغادر الغرفة. وبعد دقيقة سمعا التصفيق، كان يستخدم الستاند الخاص به. تبعه فوغو وشيلا-إي. وعندما وصولهما، انهار برج البطاقات.

 

قال الآس البستوني "أورتيجا."

 

سقطت الورقة على وجهها. صفَّق مورولو فوقفت البطاقات، وانحنت، وعادت إلى قبعته.

"إذن..؟"

"نعم. أورتيجا. إنَّهم متجهون إلى ساحل صقلية حيث سيراكيوز."

سألت شيلا-إي متشككة: "أورتيجا جزيرة في وسط سيراكيوز، أليس كذلك؟ لكن لا شيء هناك سوى أنقاض و معالم تاريخية. ما الذي يفعلونه في مكان كهذا؟"

قال مورولو وهو يلوَّح بهاتفه: "يمكننا أن نسألهم عندما نمسك بهم. هذا إن نجوا." أجرى اتصالاً بسرعة، ثمَّ تحدث مع شخص على الطرف الآخر: "إنَّه أنا. نعم، أحضرها معك. إنَّهم يتجهون إلى سيراكيوز. تأكَّد من أنَّ فيها وقوداً كافياً."

سألت شيلا-إي: "وقود؟ بمن اتصلت؟"

قال مورولو وهو يضع هاتفه: "طائرة هليكوبتر بالطبع. ستطير بنا إلى سيراكيوز، وتوصلنا قبل وصولهم. سنكون بانتظارهم هذه المرَّة ."

عبس فوغو.

كاد أن يركب طائرة هليكوبتر في إحدى المرات.

وجدها نارانشا.

 

"إنَّه مفتاح مروحية! إذا استخدمناها لن يمسكوا بنا أبداً! يمكننا الذهاب إلى أي مكان!"

لم يستخدموا طائرة الهليكوبتر، لكن فوغو تساءل هل كان نارانشا سيتحمَّس لو استخدموها، سيكون  مُتحمِّساً جداً كما كان عندما ركبوا اليخت. أو هل كانت خطورة مهمتهم ستمنعه من ذلك؟

لم يكن شخصاً يتوتر تجاه الأشياء. بل كان أول من يتجاوز التوتر. أظنُّ أنَّه لم يكن يستطيع التركيز. كان إنساناً بسيطاً، على طبيعته.

هل كان ذلك ما قتله في النهاية؟ صرَّ فوغو أسنانه. لم تكن لديه فكرة عمَّا حدث له. ولا طريقة ليعرف.

لم يذهب معهم. لهذا السبب هو هنا.

***

تريش أونا.

كانت حمايتها آخر مهمَّة كُلِّف بها فريق بوتشالاتي لصالح باشوني. أُرسلت ابنة ديافولو -التي كبرت وهي في غفلة عن هذه الحقيقة- لمقابلة والدها بعد وفاة والدتها. فقط لتجد أنَّه يُخطِّط لقتلها. حياة الفتاة مأساةٌ بحدِّ ذاتها.

لكن...

لم يشعر فوغو بأيِّ تعاطف معها.

أمضى معها يومين فقط، لكنها ظلَّت طوال الوقت بوجه متحجر التعابير لا يُفصح عن أي جزئية ممَّا تفكر فيه. وعندما كانت تفتح فمها، كان ذلك لمطالبتهم بالتسوُّق من أجلها، والمخاطرة بأنفسهم لشراء أشياء لم تبدُ مهمة على الإطلاق. أو لتطلب من أحدهم أن يخلع قميصه لتستعمله بديلاً عن منديل. كان من الصعب أن تشعر بأنَّك تريد حمايتها.

كره فوغو والدته ، ولم يكن لديه رأي إيجابي في المرأة بشكل عام. وكره النساء المتعجرفات على نحو خاص، وهو ما كانت تريش عليه بوضوح.

لماذا خاطر بكلِّ شيء من أجلها؟

إلى هذا اليوم، لم يتمكَّن من فهم قرار بوتشالاتي.

 

"العودة مع تريش تعني أنَّني خنتُ الرئيس. لقد أمرنا بحراستها فقط من أجل أن يتمكَّن من قتلها بيديه... لأنَّها قد تكشف هويته الحقيقة بصفتها قريبته بالدم. عندما عرفتُ ذلك، لم أستطع غضَّ الطرف عن هذا. لم أستطع العودة إلى المنزل ونسيان الأمر كلِّه. لقد اخترتُ الخيانة!"

كان الوقت فجراً. كان العالم هادئا. والهواء نقياً.

لم يصدِّق فوغو ما كان يسمعه، لكنَّه حقيقي. كانت تريش أمامهم، تنزف. كلُّ ما قيل لهم من قبل كان كذباً.

قال ميستا المصدوم هو الآخر: "هل فقدتَ عقلك يا بوتشالاتي؟"

قال أباكيو: "أنت تعرف ما يحلُّ بالخونة. أنت أفضل من يعلم. لن يتركنا الرئيس ننجو بفعلتنا."

قال ذلك وعبس. كان أباكيو نفسه مسؤولاً عن التخلُّص من الخونة. وقد قضوا للتو على أفراد فريق الاغتيال لهذا السبب بالذات.

"سيحاصر حرَّاسُ الرئيس البندقية الآن."

لم يتأثَّر بوتشالاتي بكلامهم. وكذلك كان جورنو الواقف خلفه هادئاً.

قال بوتشالاتي: "أحتاج إلى المساعدة. إن كان أحدكم سيأتي معي، فلينزل الدرج، ويصعد إلى القارب."

وأشار إلى القارب الصغير الذي يطفو على القناة خلفه.

كانت تريش بالفعل على القارب، تسيل الدماء من رسغها.

"لكنِّي لن آمركم بأن تأتوا معي. لن أتمنَّى ذلك حتَّى. كان هذا قراري. لا داعي لأن تشعروا بالالتزام نحوي. سأقول هذا وحسب: فعلتُ ما شعرتُ بأنَّه كان صحيحاً. لستُ نادماً. العالم ما يزال كما هو. كلُّ ما يمكنني فعله هو اتباع معتقداتي. لكلُّ شخص نقطة ضعف. لا يمكنني الآن القيام بشيء سوى الهرب... لكنَّنا سنهزم الرئيس يوما ما. سنجد نقطة ضعفه!"

في مواجهة قوَّة إيمان بوتشالاتي، والطاقة الكامنة في كلماته، لم يشعر فوغو سوى بالارتباك.

لم تكن لديه أدنى فكرة عمَّا يعنيه بوتشالاتي بكلمة "صحيح." كان ذلك اعتقاداً لم يسبق له أن واجهه في أيِّ وقت من حياته.

كان الأمر وكأنَّ عالمه كلَّه قد انتُزع منه. مغادراً نجو اتجاه مجهول. دونما أهداف، من دون أيِّ شيء ترتكز أفعاله عليه. لا شيء يوجهه.

لقد وضع ثقته في بوتشالاتي. عرف بأنَّ قرارات بوتشالاتي تكون صحيحة في الغالب. وآمن بأنَّ ما كان جيِّداً لبوتشالاتي جيِّدٌ بالنسبة له.

لم يعد هذا صحيحاً.

عندما ضمَّ بوتشالاتي فوغو لفريقه، أخبره بأنَّه لا فرصة لديه في إعادة التأهيل.

ومع ذلك كان بوتشالاتي مُتمسِّكاً بإصرار بقرار أخلاقيٍّ ساذج لا مُبرِّر له. وكأنَّه يستحق القتال من أجله. مع أنَّ ذلك القتال سيقود إلى تدميره بكلِّ تأكيد.

جلس أباكيو متثاقلاً.

وجَّه ميستا نظره بعيداً، وأخذ يحدَّق في الفراغ.

وكان نارانشا يرتجف مرتعباً.

ألن يقول أحدهم شيئاً؟ ألن يفعل أحدهم أيَّ شيء؟ ألا يوجد شيء يمكن فعله لإصلاح هذه الفوضى؟

صرَّ أسنانه، وأجبر نفسه على الكلام.

"أفهمُ ما تقوله يا بوتشالاتي. ما تقوم به هو التصرُّف "الصحيح" الذي ينبغي القيام به."

لم يكن فوغو مقتنعاً على الإطلاق بأيٍّ ممَّا قاله بوتشالاتي. لكن كان عليه أن يقول ذلك ليسلُك مسلكاً دبلوماسيَّاً. لكنَّ ذلك لم ينجح، عليه أن يكون صريحاً.

"لكن.. سأكون واضحاً: أخشى أنَّه لن يصعد أيٌّ منَّا إلى القارب. لقد تركتَ عواطفك تؤثِّر على قراراتك. نحن جميعاً مدينون لك... لكنَّنا لن نأتي. أنت لست واقعياً. لا يمكنك العيش بالمُثُل العُليا وحدها. لا يمكننا العيش خارج باشوني."

قال ذلك وخطا خطوة إلى الخلف.

في تلك اللحظة، كان فوغو ما يزال يعتقد بأنَّه توجد فرصة.

فرصةٌ بأن يتمكَّن من إنقاذ الوضع. أمل ضعيف بأنَّ بوتشالاتي سيغيِّر رأيه. وأن ينقذوه بأن يسلِّموا تريش إلى الرئيس.

أراد تصديق ذلك بشدَّة.

كان يأمل بأن تحمله كلماته على إعادة التفكير في الأمر.

قال أباكيو: "فوغو محقٌّ يا بوتشالاتي. ما تقوم به انتحار. حيثما هربتَ، فلن تجد مكاناً آمناً."

فكَّر فوغو: "نعم. استمرَّ بالحديث هكذا. قد يغيِّر رأيه. نحن نثق ببعضنا بعضاً. يجب أن تكون هناك فائدة ما من هذه الثقة. لا يمكننا تجاهل ذلك."

أضاف أباكيو: "لقد أقسمتُ بالولاء لباشوني. وليس لك. لكن.."

وقف وأكمل كلامه:

"كنتُ بلا مكان أنتمي إليه. منبوذاً من المجتمع. الوقت الوحيد الذي أشعر فيه بالراحة، هو عندما أكون معك، بوتشالاتي."

ودون إضاعة لحظة أخرى، صعد على متن القارب وجلس.

لم يصدِّق فوغو ذلك.

"ما.. ماذا!؟ أباكيو!"

ماذا الذي يفكِّر فيه؟ كان فوغو يبذل قصارى جهده لإصلاح الوضع، وها هو أباكيو قد دمَّر حُجَّته بأكملها!

قال ميستا: "إن هزمنا الرئيس، فهذا يجعلني الزعيم الفرعيَّ التالي، أليس كذلك؟"

قفز على متن القارب هو الآخر. كأنَّ ذلك التصرُّف ليس مشكلة كبيرة على الاطلاق.

شعر فوغو بغضبه يتصاعد. كيف لهم أن يكونوا أغبياء هكذا؟

"لقد فقدتم صوابكم جميعاً! لن يساعدكم أحد! إلى أين ستذهبون!؟ لـ.. لن تستطيعوا الخروج من البندقية حتى!"

كان يصرخ، لكن لم يغيَّر أحدٌ منهم رأيه.

قال جورنو الأهدأ بين الجميع: "نارانشا، ما الذي ستفعله؟"

قفز فوغو. التفت ونظر نحو نارانشا.

كان نارانشا في حالة من الفوضى، يرتعش مثل طفل ضائع. يتحرَّك فمه من دون كلام. نظر إلى بوتشالاتي مستنجداً.

"ما الذي عليَّ فعله؟ أنا.. بوتشالاتي، لا أعرف ماذا أفعل. هل.. هل عليَّ أن آتي معك؟"

قال بوتشالاتي: "هل أنت خائف؟"

أومأ نارانشا: "أجل، مرعوب." سرتْ رجفة في كلِّ جسمه وقال بصوت مرتجف: "إذا.. إذا قلتَ لي.. إذا أمرتني بأن آتي معك..! سأجد الشجاعة. لن أخاف من تنفيذ أي شيء تأمرني بفعله."

قال بوتشالاتي بصرامة: "كلا. لا أستطيع أن آمرك بهذا. عليك أن تقرِّر. قرِّر مسارك."

"أنا.. لا أعرف. لا أعرف ماذا أفعل."

"لكني سأنصحك: لا تأتِ يا نارانشا. هذا الطريق لا يناسبك."

قبض نارانشا على رأسه بيديه.

استدار بوتشالاتي وأخذ يبتعد.

"نحن ذاهبون! بمجرد أن يتحرك القارب، ستصيرون خونة!"

غرق فوغو في البؤس. سيطر عليه اليأس. لماذا لم يرَ سببا؟ كان ذلك مثيراً للغيظ.

"لماذا... هل جننتَ؟ ما خطبك؟ لقد التقينا بها من يومين! بالكاد تحدَّثنا مع الفتاة! نحن لا نعرفها! لا نعرف حتَّى أي نوع من الموسيقى تحبها تريش!"

كان صوته أقرب إلى النحيب. صرخات خاسر لم يرضَ بخسارته. لن يتغيَّر شيء مهما قال. لكنَّه لم يستطع منع نفسه من الصراخ.

حدَّق متألماً بالقارب المُبتعِد، إلى أن سمع من خلفه صوتاً ضعيفاً يتحدَّث.

همس نارانشا: "تريش... تخلَّى عنها شخص تثق به."

بالكاد سمعه فوغو، لكنَّه كان غاضباً جداً ليهتم. "أياً يكن. إنها ابنته، يمكنه أن يفعل ما يريد. أنا متأكِّد بأن لديه أسبابه، لكن لا علاقة لنا بذلك. كلُّ ما كان علينا فعله أن نغمض أعيننا! لا أفهم لِمَ هذا صعب جداً."

بينما كان يصرخ ، كان نارانشا يغمغم:

"تمَّ التخلِّي عني أنا أيضاً. والدي.. وأصدقائي. كلُّهم تخلُّوا عني. نحن متشابهان. تريش وأنا... نحن متشابهان."

استدار فوغو ونظر نحوه. لكنَّ نارانشا كان قد تحرَّك فعلاً.

في اللحظة التي استدار فيها فوغو نحوه، ركض نارانشا متجاوزاً فوغو، ورمى بنفسه في القناة.

وأخذ يسبح نحو القارب.

حدَّق فوغو به منشدهاً. غير قادر على التفاعل على الإطلاق. لم يكن نارانشا أبداً سباحاً عظيماً، وكان بالكاد يحافظ على نفسه طافياً.

 

صرخ: "بوتشالاااااااتييييييي! أنا آتٍ معك! انتظرنيييييييي!"

 

انخفض صوته بالتدريج مع ابتعاده، ووقف فوغو ثابتاً في مكانه. كلُّ ما استطاع فعله كان المشاهدة. شاهد نضال نارانشا، وسمع صرخاته.

 

"لا تقل لي ألاَّ آتي! تريش هي أنا! الجروح على ذراعها هي جروحي!"

 

توقف القارب لالتقاطه. ثمَّ ذهبوا.

لم ينظر إلى فوغو ولا مرَّة. ولم يفعل ذلك أيٌّ واحد منهم.

وهكذا... كان وحده.

هدأ غضبه بالكامل. استغرق بعض الوقت ليلاحظ ذلك.

لم يكن مستاءً من الخيانة. ولا سعيداً ببقائه على قيد الحياة.

كان قلبه فارغاً، خالياً من كلِّ المشاعر.

تمَّ التخلي عنه... ولكن من قِبَل من؟

ألم يكن هو الشخص الذي تخلَّى عنهم؟ فلماذا شعر بأنَّه هو من تمَّ التخلِّي عنه؟

ظلَّ واقفاً إلى أن ارتفعت الشمس عالياً في السماء. وأضاءت العالم من حوله.

شعر ببشرته تحترق تحت حرارة الشمس. كان ذلك مؤلما. كلُّ شيء يؤلم. ولكن ما الذي آلمه، لم يعرف فوغو.

تساءل: "لماذا؟"

لماذا لم يكن غاضباً؟

لم يكن أياً ممَّا حدث عقلانياً أو منطقياً، فلماذا لم يفقد أعصابه؟ لماذا لم يحطِّم كلَّ شيء أمامه؟

لم يستطع معرفة الإجابة.

***

كانت المروحية تحلِّق فوق البحر الأيوني بمحاذاة الساحل حيث تقع "ميغارا هيبلايا".

تساءل فوغو وهو يتأمل المناظر من المروحية، لماذا قال نارانشا ذلك.

"تريش هي أنا". ما الذي يعنيه ذلك؟ أهو مجرد تعبير عن التعاطف؟ لم يكن نارانشا وتريش يعرفان بعضهما بما يكفي لإثارة مشاعر مثل هذه. لم يعرفا بعضهما على الإطلاق.

لم يكن لدى نارانشا صلة عاطفية بـتريش ليخاطر بحياته من أجلها. كان فوغو متأكداً من ذلك.

ولكن لم تكن لديه فكرة لماذا أراد بوتشالاتي إنقاذها لدرجة التضحية بحياته.

أما أباكيو فقد فهمه. عرف فوغو بأنَّه كان يشعر بالذنب تجاه الوقت الذي أمضاه كشرطي فاسد. لقد انضمَّ إلى باشوني باحثاً عن مكان للتضحية بنفسه. لم تكن لديه مصلحة في حماية تريش. تعلَّق ببساطة بما قاله بوتشالاتي عن الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به. أيَّاً كان ذلك الشيء.

كان ميستا بسيطاً بنفس القدر. لا شكَّ بأنَّه قرر الذهاب مع بوتشالاتي على الفور. ربما أملاً بالحصول على كنز الرئيس، أو طموح بسيط مشابه. السبب الوحيد في أنَّه لم يقفز على متن القارب فوراً هو أنَّ ذلك كان سيجعل منه رابع شخص على متنه. فانتظر أباكيو، ممَّا جعل منه الشخص الخامس. كانت قناعة ميستا بأنَّ الحظ سيكون دائماً بجانبه طالما أنَّه تجنب الرقم أربعة قد تجاوزت التصديق بالخرافات لتصير معتقداً راسخاً لديه. لا فائدة من محاولة فهم ذلك.

وجورنو...

شعر فوغو بقشعريرة تسري في عموده الفقري.

إذا كان فوغو قد ارتكب أيَّ خطأ في ذلك الوقت، فسيكون افتراضه بأن بوتشالاتي كان من يصدر الأوامر... في حين أنَّ جورنو كان من يصدرها طوال الوقت. كان يجب أن يحاول تغيير رأي الفتى، وليس بوتشالاتي. كان جورنو جوفانا مُصممِّاً على هزيمة الرئيس، وانتزاع سلطته. وقد تبعه بوتشالاتي ببساطة.

بالتفكير في الأمر، تطوَّع جورنو لأخذ تريش إلى الرئيس. لكنَّ أباكيو اعترض، وانتهى الأمر بمرافقة بوتشالاتي لها... ربما كان علينا السماح لجورنو بالذهاب. إذا استطاع الفوز ربَّما لم يكن أيٌّ من هذا سيحدث.

ربما ترك جورنو تريش تموت، مُضحِّياً بها من أجل دليل على هوية الرئيس. ممَّا سيسمح له بصياغة خطة أفضل وأكثر أماناً، بعدد وفيات أقلَّ من جانبهم.

لم يتمنَّ لو أنَّ هذا ما حدث بالضبط، ولكن لو حصل... لم يكن فوغو ليغادر. لو ظلَّ أباكيو فقط... لا، لا فائدة من الاستطراد في الافتراضات.

في نهاية المطاف، تورطوا جميعهم في المعركة بين جورنو ديافولو. ومثل المعارك في الملاحم، حيث تتحارب أسطورتان لإثبات أي منهما الأحقُّ بلقب الحاكم الحقيقي. سواء فروا من القتال أو قُتلوا خلاله، لم يكن أيٌّ منهم مسؤولاً، كانوا جميعاً الضحايا.

ما الذي كنتَ تفكِّر به يا نارانشا؟

ظلَّ هذا السؤال يوخز في قلبه مثل عظم سمكة عالق في الحلق.

حاول إقناع نفسه بأنَّه قام بالتصرُّف الصحيح، وبأنَّ خياره كان الأذكى. لكنَّه لم يستطع.

لقد ذهب نارانشا معهم. وأنا لم أستطع.

كانت تلك هي الحقيقة، ولن يغيرها أيُّ شيء.

لماذا "تريش هي أنا!"، نارانشا؟ ماذا كان شعورك؟

حلَّقتْ المروحية باتجاه سيراكيوز.

كان يقودها طيَّار من باشوني. جلس مورولو في مقعد مساعد الطيَّار. وجلست شيلا-إي بجوار فوغو، ذراعاها متصالبتان، وصمتها قاسٍ كالصخر.

حدَق فوغو بها. لم تكن تتحدث كثيرا. هذا شيء مشترك بينها وبين تريش، على الأقل.

بدأ الكلام: "إذا كنتِ..."

قاطعته شيلا-إي بحدة: "ماذا؟" ولم تنظر إليه حتَّى.

"إم.. حسناً... إذا وجدتِ نفسكِ فجأةً مع مجموعة من الرجال الغريبين عنكِ، فكيف ستتصرفين؟"

"لماذا تسأل؟"

"أنا أتساءل وحسب."

"لا أدري. ربما أتأكَّدُ من أنَّهم لم يعبثوا معي؟"

"وهذا يعني...؟"

هزت كتفيها باستهجان قائلة: "لن أتصرَّف بلطف وتهذيب معهم".

فتح فوغو عينيه وأغمضهما.

هل كان هذا سببَ عدائيَّة تريش؟ هل كانت تحاول الحفاظ على قدر ما من السيطرة، في محاولة يائسة لحماية نفسها؟ لم تكن تتصرَّف بغطرسة لأنَّها كانت ابنة الرئيس، بل لأنَّها كانت تحاول الحفاظ على نفسها آمنة؟

ومع ذلك..

عندما يتذكَّر الطريقة التي كانت تتصرَّف بها تريش، لم يكن يشعر بأيِّ تعاطف تجاهها. عدم الرغبة في التعرُّض للأذى ليس عذراً لإيذاء الآخرين. لم يستطع أن يدفع نفسه لمراعاة ظروفها.

هل هذا لأنَّها آذتني؟

لم تعجبه تلك الفكرة. هل كرهها حقاً لأنَّها أجبرته على التخلِّي عن بوتشالاتي؟ هل يريد أن يجعلها تدفع الثمن من دون وعي منه ؟ هل يكنُّ لها الحقد؟

كان يعلم أنَّ ذلك لم يكن عادلاً. لكنَّه كلَّما فكر أكثر ازداد يقينه بأنَّ تلك المشاعر جزء منه.

مع استغراق فوغو في التفكير، ساد الصمت قمرة القيادة مجدداً. حسناً... ليس الصمت. كانت شفرات المروحية تصدر ضجَّة عاليةً جداً.

فجأة قالت شيلا-إي: "فوغو. هل أنت..."

تراجعت. نظر إليها فوغو، لكن بدت أنَّها لن تكمل فكرتها. لم يطل النظر.

يبدو أنَّ صمتهم جعل مورولو يتضايق، فأخذ يزعج الطيار بالأسئلة.

"أيُّها الطيَّار، ألست تطير على ارتفاع شديد؟ انخفض بنا قليلاً. سيروننا."

"كلَّما طرت أعلى، كلَّما لاحظك أناس أقلّ. نحن صغيرون جداً لنُرى من الأسفل. ألم تفعل هذا من قبل؟"

"لا يهمُّني إذا كنا نبدو كبيرين أو صغيرين، فسيعرفون في أيِّ طريق نتَّجه."

"إذا انخفضنا، لن نستطيع الطيران بسرعة. ألست في عجلة من أمرك؟"

"حسناً! ما تزال أسرع من السيَّارة أو القطار! افعل ما..."

توقف فجأة.

وأخذ يحدِّق في شيء ما بجانب الطيَّار، خارج النافذة.

كان هناك طائر صغير يطير بجانبهم.

بسرعة تطابق سرعة المروحية.

"كم سرعتنا؟"

"نعم؟ قلتَ إنَّك في عجلة من أمرك، لذلك أنا أدفعها لأقصى حدودها. هذه آلة سريعة، نحن نطير بسرعة 250 كيلومتر في الساعة."

"إذن ... ما هذا الطائر؟"

أشار مورولو إلى خارج النافذة.

لم يبدُ بأنَّه يبذل جهده لمواكبة سرعتهم. لن يقترب طائر عاديٌّ من طائرة مروحية، الشفرات تعبث بتيارات الهواء، لكن هذا الطائر لم يبد مرتبكاً، بدا كأنَّه يحلِّق في يوم هادئ. وكان يقترب منهم أكثر فأكثر.

"إم..."

صرخ مورولو: "لا! هذا ليس طائراً! إنه عدو!"

ولكن بعد فوات الأوان.

هوت المروحية كحجر إلى البحر.

الفتاة التي لا يمكنها أن تعيش إلَّا على المخدرات أطلقت العنان لكلِّ غضبها اللامتناه، عليهم.


اسم الستاند: نايت بيرد فلاينغ
(اسم المستخدم: أنجيلكا أتاناسيو (14

القوة التدميرية: E - السرعة: A - المدى: A

الاستمرارية: A - الدقة: E - التطور: E

القدرة: يحدِّد مكان الأرواح ويلاحقهم ليتسبب لهم بالمراحل النهائية من إدمان المخدرات. يعتمد تركيز الهجمات على ذاكرة أنجيلكا، ولكن نظراً لأنَّها مدمنة على المخدرات، فإنها تميل إلى الهجوم على نحو عشوائي. ستاند شبه آليٍّ ولد من حزنها لكونها يُساء فهمها. يبدو كطائر صغير، يطير باحثاً عن دفء الإنسان.

2 comments

Author
avatar

😭😭😭😭
شكرا للترجمة ❤❤

Reply
Author
avatar

يعطيك العافية

Reply