الفصل الرابع: أنت الذي لا تبكي



كان ليوني أباكيو، زميل فوغو السابق، قد شرح قوة ذلك الأخير على هذا النحو:

"إنها وحشية! تنفجر الهجمات منه، ثم تختفي مثل عاصفة صيفية."

لقد قاتل إلى جانب فوغو مرات عدة. في كل مرة، كان أباكيو يحقق في الجريمة، وفوغو يصفِّي الفاعل. كانا يغطيِّان على فضائح الأعمال باسم "الحماية" حيناً، أو القضاء على أولئك الذين حاولوا الاختلاس من المنظمة حيناً آخر، أو إعدام للحثالة من أعضاء باشوني لاحتواء الصراعات الداخلية في أحيان أخرى. من دون تدخل الشرطة في أي منها، ما عدا المشكلات التي احتاجت إلى بعض العناية. كانت أغلب هذه المهام من بوتشالاتي، ولكن بعضها أتى من بولبو، وكانا يبقيانها سراً عن بوتشالاتي في أغلب الأوقات. كان الرئيس الفرعي يريد أن يُنجز العمل، لكنهما عرفا أن قائد الفريق لن يحتمل قتل طفل على سبيل المثال.

إذا قرَّر فوغو أن مهمة معينة ستقلق ضمير بوتشالاتي، أبقى الأمر سرا. ووافق أباكيو على ذلك، ولم يفشِ أية كلمة. رآهما الناس من حولهما على أنهما شريكان، لكن فوغو لم يسأل أباكيو عن ماضيه ولا مرة، وكذلك لم يسأله أباكيو. لم يفهما بعضهما. لو كانا في موقف بحيث يستطيع أحدهما فقط النجاة، فإن فوغو واثق من أن أباكيو سيتخلى عنه. وكان متأكداً من أنه سيفعل الشيء نفسه.

وثقا ببعضهما بعضاً، لكنهما لم يكونا مقربين. ما بينهما من صلة كان قليلاً كاليوم الذي التقيا فيه.

كان أباكيو شرطياً. عندما كُشف أمر فساده وكان يُحاكم، ذهب فوغو لرؤيته في السجن. كان قد أخذ الرشاوى من أحد أفراد باشوني الصعاليك، وكان فوغو يبحث عن معلومات. مات الصعلوك في زنزانته جراء انخفاض حرارة جسمه، في منتصف الصيف. وبعبارة أخرى، تولى مرؤوسوه أمره. وكان أباكيو وحده من لديه معلومات.

الإسراف في الشرب والنساء لم يتركا منه سوى بقايا رجل. حدَّق بفوغو بنظرة باردة كعيون الزواحف، بدوائر عميقة ومظلمة تحت عينيه، ولم يقل كلمة واحدة.

"كن عاقلاً يا أباكيو. إذا ذهب رجل مثلك إلى السجن، سينتهي أمره ميتاً. أنت تعرف ما يحدث للشرطيين السابقين هناك. لن يساعدك الحراس. إنهم يكرهونك أكثر من أي شخص آخر."

"..."

"ما الذي دُفع لك لتتغاضى عنه بالضبط؟ سمعتُ بأنك تردَّدت عندما كان عليك إطلاق النار على ذلك المشتبه به. أكان لديه شيء ضدك؟"

"..."

"هل كانت مخدرات؟ هل كان ذلك الرجل يتاجر بالمخدرات؟ وأنت تركته يفعل ذلك؟"

"..."

"هل الصمت هو كل ما سأحصل عليه؟"

عبس فوغو. كان قد بدأ يشك بأن طوفان المخدرات في السوق مؤخراً كان آتياً من داخل باشوني، وأراد دليلاً.

لقد قضينا على معظم العائلات الأخرى، لكن يوجد المزيد من المخدرات أكثر من أي وقت مضى. لا شك بأن رئيسنا الغامض يتاجر بالمخدرات التي يحرِّمها.

إذا كانت الحال هكذا، فإن بوتشالاتي سرعان ما سيجد نفسه بين المطرقة والسندان. كسب بوتشالاتي سمعته كرجل عصابات شريف لأن الناس عرفت موقفه من المخدرات. إذا ثبُت ما حصل بأن كل ذلك كذبة فارغة، سينتهي أمره.

ماذا علي أن أفعل؟

بينما كان يجهد دماغه، تحدث أباكيو فجأة.

قال: "لماذا؟"

"هه؟"

دمدم قائلاً: "ما الذي يجعل طفلاً سطحياً مثلك يبدو جاداً جداً؟" ازداد عمق التجاعيد في جبهته، وبدا وكأنه يبدأ شجاراً، لكن ذلك لم يناسب وضعه.

"إمـ.. ماذا؟"

"أنت وأنا لسنا مختلفَين. كلانا حثالة. فما الذي يجعلك واثقاً من نفسك؟"

"إمـ ، أباكيو، أنا.."

"أعرف أن حالك كحالي. أعرف أنك فاشل. يمكنني رؤية التعفن في عينيك. إذن من أين تحصل على هذه الثقة؟"

"أشعر بأنك تهينني.."

"أخبرني لماذا، وسأخبرك بما أعرفه."

"أخبرك بماذا بالضبط؟"

"سبب عيشك. أخبرني ما الذي يبقيك على قيد الحياة."

"لقد أقسمتُ على الولاء لمنظمتي فحسب."

قال أباكيو: "إذن أخبرني كيف أفعل الشيء نفسه."

حدق به فوغو متسائلاً: "هل تريد الانضمام؟"

"إذا كان ذلك سبباً كافياً بالنسبة لك، فالأمر يستحق المحاولة."

"أنت شرطي سابق. لن يرقوك أبداً. ولن يمنحوك منطقة خاصة بك. ستكون خادماً لأحدهم طوال حياتك. هل انت مستعد لذلك؟ والأسوأ أن تُطعن في ظهرك، لن تحميك العائلة. أبداً. الأفضل لك أن تأخذ المال وتنتقل للعيش في الخارج."

"..."

حدق به أباكيو وحسب. كان الظلام في عينيه مرعباً.

كانت المخدرات هي التي جمعته مع أباكيو. وهو الآن على وشك مقابلة مصدر تلك المخدرات: ماسيمو فولبي وفريقه، وقتالهم حتى الموت.

***

على الطرف الشرقي من تاورمينا مسرح أثري يعود تاريخه إلى القرن السابع قبل الميلاد. مسرح تياترو غريكو. مبني على الطراز اليوناني الذي يتميز بمقاعد تحيط بالمنصة على شكل نصف دائرة. أعيد بناؤه من قبل الرومان الذين اندثروا هم والإمبراطورية الهيلينية منذ فترة طويلة، ومع ذلك ظلَّ المسرح محافظاً على وجوده على نحو لافت للنظر. ومع أنه يعد مكاناً لجذب السياح، إلا أنه نادرا ما يكون مزدحما، ويمكن للزوار الاستمتاع بجولة هادئة على أراضيه.

كان فوغو ومورولو في مسرح تياترو غريكو.

هطل المطر على الحجارة. كان المسرح مهجورا.

قال مورولو: "حسناً، "كنت أريد أن نختلط مع السياح لكي لا نلفت الأنظار ونحن في طريقنا إلى المدينة، ولكن أظن أن هذا لن يحدث. مطر غبي."

"لقد وصلنا إلى هذا الحد. ما من خيار سوى المضي قدماً، سواء أكان الوضخ خطراً أم لا."

"أحيانًا تبدو حذراً، وأحياناً أخرى تبدو وكأنك لا تهتم أبداً بما يحدث لك. كنت سأصفك بأنك سريع التأقلم، ولكنك أشبه بمن توقف عن التفكير بمجرد توصله إلى قرار. مع أن التشكيك في كل قرارتك يمكن أن يكون عاملاً لنجاتك أيضاً.."

"أو تضييعاً للوقت ودوراناً في حلقات مفرغة. إلا إذا عرفنا شيئاً جديداً يغير الأوضاع، الخطة التي توصلنا إليها في وقت سابق لا تزال الخطة الوحيدة لدينا."

"هذا ما أتحدث عنه، ألم تفهم؟ لقد حاصرتَ نفسك. أنت تفعل ذلك، وشيلا-إي تفعل ذلك، تحتاج إلى أن تكون أكثر مرونة. ومستعداً لتغيير رأيك."

تحدث مورولو وكأنه يمنح علمه، لكن لم يكن لديه سوى القليل لدعم آرائه. لقد اعترض طريقه وأراد أن يجعل نفسه يبدو مهماً وحسب. تذكر فوغو الأستاذ الذي قلب حياته.

دمدم فوغو: "كن حذرا."

حدق مورولو به متسائلاً : "من ماذا؟"

"لا تزعجني. عندما أفقد أعصابي، لا تكون لدي فكرة عما سأفعله."

لم يكن ذلك تهديداً. كان لديه مزاج رهيب، عرضة للانفجار عند أدنى استفزاز. كان قد طعن نارانشا ذات مرة في خده بسبب خطأ بسيط في مسألة رياضية. كان يدرِّس نارانشا أحياناً، وكان نارانشا يخطئ دائماً، ولكن لسبب ما، فقد أعصابه في تلك المرة. لم يكن لديه فكرة عن السبب.

عض مورولو شفتيه.

"أف، أنت شخص معقد! يجب أن يعلقوا عليك لافتات: (هشٌّ، يعامل بعناية. لا تقاطعه)، أو يرسلوك لتتأمل على جبل في مكان ما. لأجل شيء واحد.."

خفت صوته تدريجياً، ولم يعد يحدق في فوغو، بل في المقاعد المحيطة بالمنصة. شحب وجهه، وبدا وكأنه لم يصدق ما يراه.

كان هناك رجل يجلس لوحده حيث المقاعد. كان يحمل مظلة سوداء تردُّ المطر عنه. كان مندمجاً بما يحيط به بطريقة ما، وبدا أنه كان هناك دائماً.

كان رجلاً عجوزاً، وجهه مغطى بالتجاعيد، لكن ظهره كان مستقيماً، وحركاته نشيطة.

كانت هناك لمسة من اللطافة على وجهه، لكن عينيه كانتا حادتين للغاية. لقد رآه فوغو من قبل، في الصور التي أراهم مورولو إياها.

تلعثم: "هل هذا..؟"

تأوه مورولو: "إنه هو. زعيم فريق المخدرات: فلاديمير كوكاكي."

كان يحدق بهما.

كان بانتظارهما. لم يكن من المعقول أنه كان هناك مصادفة. لكن أن يكون لوحده...

استدار مورولو بسرعة وأخذ ينظر كل الاتجاهات، ولكن لم يكن هناك أحد حولهم. لا أثر لفريق كوكاكي.

"تـ.. تباً.. أعتقد أنه علينا.." التفت مورولو ليقترح الهرب، لكن لم يكن هناك أحد بجانبه.

كان فوغو يسير باتجاه كوكاكي.

"انـ.. انتظر..!؟"

"سنقاتله. لقد فات الأوان على الهرب."

لم يكن هناك تردد في صوت فوغو. ولكن...

"انتـ.. انتظر قليلاً! إنه ليس مجرد عجوز عادي! حتى ديافلو قرر أنه كان من الأفضل التفاوض والتحالف معه بدلاً من استخدام الستاند الخاص به ضده. إنه خبير! مخضرم! نجا من معارك أكثر بكثير منك!"

لم تبطئ صرخات مورولو من سرعة فوغو ولو قليلاً.

ابتسم كوكاكي ابتسامة خافتة، مثل رجل عجوز يراقب حفيده.

حدَّق فوغو به، وهو يفكر بعصبية:

إنه واثق من نفسه. إذا كان هنا بمفرده، فلا شك أن لديه معرفة بقدرات الستاند الخاصة بنا، ومتأكد من أنه يستطيع التغلب عليها. إذا اقترب من نطاق الأمتار الخمسة حيث بيربل هيز، فسينتهي أمره بالتأكيد. أشك بأن الستاند الخاص به سيحدث أي فرق، ولا أتصور أن هذه خطته. لذا لا بد أنه يعد لهجوم طويل المدى. ما علي القيام به هو إغلاق الفجوة بيننا، والوصول إلى النطاق.

مع أخذ ذلك في الاعتبار، بدأ بالمشي.

هذا فخ من نوع ما. عليَّ أن أقع في الفخ، ثم أجعل بيربل هيز يحطمه ويصل إليه.

كان ذلك أقرب شيء توصل إليه كخطة.

ابتسم له كوكاكي بلطف، ثم قال: "سمعت أنك كنت في فصول مع ولدي ماسيمو في جامعة بولونيا."

"..."

"بصراحة، لم يكن لديه الكثير ليقوله عنك يا باناكوتا فوغو. يبدو أن حياتك سلسلة من الأخطاء."

".. ماذا تقصده؟"

"أنا متأكد من أنك تعتقد بأنك تحاول اختيار الخيار "الصحيح" لكن حتى محاولة القيام بذلك دليل على أنك مخطئ."

بدا وكأنه معلم يشرح بصبر لتلميذ فكرة لم يفهمها.

" الصقليين جميعهم يعرفون ما هي الحياة. قد يكون فهم هذا صعبا على طفل ثري من نابولي، ولكن الحياة.. غير عادلة بطبيعتها."

"..."

"لا شيء في الحياة يسير كما هو مخطط له. عليك أن تقبل ذلك. لن تصل إلى أي مكان إذا لم تفعل ذلك. حتى لو لم يفهمك أحد، حتى إذا لم تسر الأمور بالطريقة التي تتوقعها، اقبلها. أن تفقد أعصابك وتُخرج غضبك على كل من حولك أمر لا يغتفر. إنه يمنعك من إنجاز أي شيء بنفسك. إنه يقودك مباشرة نحو الدمار."

"..."

"نحن الصقليين نقدِّر الصمت كثيراً. الصمت.. والصبر. هذان الأمران يقودان إلى الأمل. لا أمل من محاولتك صياغتك لحياتك بإرادتك وحدها. هذه ليست السعادة الحقيقية. لا يوجد خيار "صحيح" يا فوغو. أنت ترتكب خطأً في كل مرة تتخذ فيها خياراً كهذا. مهما رفضتَ الأمور المثالية وحاولت أن تكون واقعياً فإن كل ما ستفعله هو المقارنة. لا يوجد اختلاف بين الحلم والواقع. الواقع الذي تؤمن به هو مجرد وهم آخر."

عندما أنهى كوكاكي كلامه، أصبح فوغو على بعد خمسة أمتار منه. تقريبا في نطاق بيربل هيز. عليه أن يخطو خطوة واحدة، وسيكون قريبا بما يكفي لقتل العجوز بلكمة واحدة.

لكن حتى تلك اللحظة، لم يفعل كوكاكي أي شيء.

لو كان الستاند الخاص به مفعلاً لكان فوغو فادراً على رؤيته، كوكاكي رجل عجوز وفوغو بالتأكيد أسرع منه، ويمكنه أن يهاجم أولاً إذا حاول أي شيء. لكنه.. لا يهاجم.

ما الذي يحدث؟

توقف فوغو عن التقدم، كان يعد نفسه للهجوم في أي لحظة، لكنه تردد.

غمرت الأفكار عقله. ربما عليه ألا يقتل كوكاكي إذا لم يقاوم، ربما عليهم القبض عليه واستجوابه. ربما كان يبطئنا ليساعد فريقه على الهرب.. طافت الأفكار كلها على السطح، وتلاشت.

كان يعرف تماماً.. بأنها جميعها أكاذيب.

كان يعرف بأن كوكاكي ينتظره هنا ليقتله، وبأن كوكاكي لا ينوي أن يخسر المعركة. لقد رأى ذلك في عينيه. لكن لم يستطع فوغو رؤية ما وراء ذلك، وكان محتاراً كيف يواصل.

لماذا أتردد؟

عندما رأى أن فوغو لم يتحرك، أومأ كوكاكي ببطء قائلا:

"معرفتك ضئيلة جداً يا فوغو. وكل ما تعتقد أنك تعرفه هو معرفة ضحلة وسطحية وحسب. أنت لا تعرف شيئاً عن الشجاعة، وعن القوة التي يجدها الرجال عندما يُنحُّون غرورهم ليعيشوا. الرجال من دون شجاعة مثل البراغيث، مصيرها أن تموت صفعاً عندما تحاول امتصاص دماء البشر."

ابتسم كوكاكي. كان يهين فوغو.. لكن فوغو لم يشعر بالغضب ولو قليلاً. لماذا لم يغضب؟ لو كان نارانشا هنا لكان فقد صوابه وهاجم منذ فترة طويلة. كان فوغو متأكداً من ذلك.

نارانشا..

لم يكن غاضباً أو مستاء. لكن حثه شعور انزعاج غريب على أن يتقدم، وأخذ يتسلق الجدار ليصل إلى المقاعد.

ترنح، انهارت الأرض تحت قدميه. تماسك بسرعة، ولكن..

"آه..!"

حاول أن يقف على قدمه، لكنه انزلق.. لم يكن ذلك طبيعياً، كأنه يحاول أن يخطو على شيء غير موجود. لكنه نظر إلى الأسفل، واختار موطئ قدم صلب. وقبل أن يفهم ما الذي حدث، تراجعت قدمه بشدة، وفقد توازنه مجدداً.

"ما الذي..!؟"

لم تكن لديه أية فكرة عما كان يفعله. كأنه عالق في رقصة لا يمكن السيطرة عليها، تتعثر قدماه بجنون في كل الاتجاهات.

"هـ.. هذا بلا شك.."

شعر بأن جسده بأكمله يطفو. كأن ذلك الشعور بالتعثر لم ينتهِ أبداً.. لا، لقد ازداد قوة، وانتشر في جسده كله.

"هل هذا..؟"

كان فوغو يبتعد أكثر عن كوكاكي، كما لو كان يركض الى الوراء.

إنه الستاند الخاص به! لقد وقعت في نطاقه! متى هاجم؟ لم أرَ أيَّ شيء!  لم أشعر به على الإطلاق! لم أشعر بأي شيء سوى.. سوى..

نظر فوغو للأعلى.

المطر، رذاذ خفيف يبقي جسده رطباً.

تباً!

لقد كان يراه. ويشعر به. كان مدركاً لوجوده.. كان يتعرض للهجوم طوال الوقت.

قال كوكاكي: "نعم. هذا هو رايني داي دريم آوي. هل ترى كيف تتعثر بشكل دائم؟ ليس الستاند الخاص بي الذي يؤثر على توازنك في كل مرة، بل أنت، حواسك خرجت عن السيطرة، وأنت تحاول استعادة توازنك بيأس. لقد فقدت توازنك في لحظة واحدة، وأنا ثبَّتتُّ ذلك الإحساس لديك."

كلما حاول فوغو إيقاف رقصه المترنح، كلما تحركت أطرافه بجنون أكثر.

"لدى الستاند الخاص بي القدرة على تثبيت أي إحساس. يشعر البشر بمشاعر مختلفة دائماً، بغضِّ النظر عن رغبتهم أو عدم رغبتهم في ذلك. آخذ أي لحظة واحدة، وأجعلها تستمر إلى الأبد. ستقضي بقية حياتك محاولاً استعادة توازنك. لقد وقعتَ في الفخ، لن تتحرر من ذلك الإحساس أبداً."

"آه .. آاااه!"

كان فوغو يميل بجسمه، ويدور حول نفسه، ولكنه لم يسقط أبدا. فكر بأنه قد يتوقف إذا تمكن من السقوط، لكنه لم يستطع أن يفعل ذلك.

"الإحساس المرافق لزلة قدم.. كيف وجدته؟"

"آاااه!"

"بالضبط. أنت تسقط. أنت واقع في الإحساس بأنك بدأت في السقوط. والمكان الوحيد الذي يؤدي إليه هذا الإحساس.."

لم يسمع فوغو ما قاله كوكاكي. أخذت ساقاه تضربان الأرض على نحو أقوى وأقوى. وقادته إلى نفس الاتجاه أغلب الأحيان. كان يسقط على جانبه، مدفوعاً بقوته. لامست ساقاه الأرض، لكنه كان كذلك يسقط بلا شك، يركض أسرع مما يستطيع، يطير عبر الأرض. كأنه يتحدى حدود الفيزياء.

"آاااااااااااااههههـ!"

تلاشت صرخاته تدريجياً وهو يغادر المسرح.

إلى أي مدى ستأخذه ساقاه؟ إلى البحر؟ إلى جدار؟ في كلتا الحالتين، ستقودانه إلى الموت.

قال كوكاكي: "سقط واحد." ووقف بحذر، محافظاً على مظلته فوقه.

***

سمعت شيلا-إي صراخ فوغو.

قالت: "تباً!" وانطلقت راكضة.

لكن الصرخة كانت تبتعد عنها أسرع من ركضها.

ركضت حتى وصلت إلى مسرح تياترو غريكو.

توقفت. كان رجل عجوز يتسلق المنحدر القديم تحت المقاعد وينظر إليها. لقد كان يتوقع قدومها.

صرخت: "كوكاكي!؟" أتى مورولو نحوها راكضاً، واختبأ ورائها.

صرخ بها: "ما الذي أخَّركِ هكذا؟"

سألت: "أيـ.. أين فوغو؟"

أجاب كوكاكي: "لقد اعتنيتُ بأمره."

عبست شيلا-إي. بدا هذا سيئاً. ولكن لو كانت تستسلم بسهولة، لما كانت هنا أبداً.

" فودو تشايلد!"

اندفعت إلى الأمام والستاند الخاص بها بجانبها، باتجاه الرجل العجوز.

لم يتحرك كوكاكي. على عكس فوغو، لم تتردد شيلا-إي على الاطلاق. لم تفكر في شيء سوى ضرب قبضتها برأس الرجل العجوز.

اجتازت المسافة بينهما في لحظة، ودفعت قبضتها نحو وجهه.. وانحنى قليلاً، وقد تجنبها تماماً.

تحرَّك مثل سنبلة قمح في الرياح، مثل معلم في التاي تشي، يخطو جانباً بخفة بينما كانت شيلا-إي تسرع من أمامه.

درات حول نفسها، وواجهته مرة أخرى.

لم تتسبب اللكمة بأي ضرر لكوكاكي، ولكن عندما مرت بجانبه، كان ظفر فودو تشايلد قد خدش جانب وجهه خدشاً ضئيلاً.

كان جرحاً صغيراً، كأنه قد جرح نفسه خلال الحلاقة.. لكنه كبير بما يكفي لتشكيل زوج من الشفاه.

شفتان أنثويتان صغيرتان..

أصدرت الشفتان صوت انتفاخ، ثم تنهدتا.

"ما هذا؟"

أشارت شيلا-إي إليه وهي تقول: "تتحول الجروح التي تلامس فودو تشايلد إلى شفاه تفشي أسرارك كلَّها. ستستخرج كلماتٍ من أعماق قلبك، كلمات ستدفعك للجنون. لقد فزتُ."

ارتعشت الشفتان على خد كوكاكي مرات عدة، ثم بدأت بالتحدث. لكن الصوت الذي صدر منهما لم يكن صوت فلاديمير كوكاكي.

 

"لقد عشتُ حياة جيدة يا فلاديمير. لقد كنتُ سعيدة جداً جداً."

 

صوت مشرق وسعيد. مليء بسرور صاحبته، العاطفة حقيقية. لم يكن صوتا بنبرة إهانة أو ثرثرة.

بدت شيلا-إي مرتبكة. أمال كوكاكي رأسه إلى جانبه وراقبها.

قال بهدوء تام: "فهمت. إن الستاند الخاص بكِ ينقِّبُ باحثاً عن ذنوب الناس، ثم تستعملين ذلك للقضاء عليهم. لكن للأسف..."

مرر إصبعه على الشفاه، فاختفت تماماً، مع أن شيلا-إي لم تبطل مفعول قوتها.

"كيف؟"

"طالما أن هناك شعوراً بالذنب في قلب المرء، لا يمكن إزالة قوتك. أليس كذلك؟ هذا إن كان هناك ذنب، لكن ليس لدي شيء. يتعامل قلبي مع الحقائق فقط. يمكنكِ أن تبحثي عن وتخرجي كل الأصوات التي تريدين، فأنا أسمعها كل يوم."

أشرقت ابتسامة لطيفة على وجهه.

"كان ذلك الصوت صوت أختي أميليا. وكانت تلك الكلمات كلماتها الأخيرة لي. لقد ماتت بين ذراعيَّ."

"..."

"السادس من آب عام 1943 كان يوم وفاتها. هل تعرفين ما الذي يعنيه هذا التاريخ؟"

"..."

"في ذلك اليوم، كانت صقلية ميدان معركة. هبطت قوات الحلفاء في منطقة يسيطر عليها الفاشيون والنازيون. كانت المعارك تدور في كل مكان. لم يقصد النازيون احتلال الجزيرة على نحو جَدِّيٍّ، قاتلوا فقط لتغطية تراجعهم. كان القرويون ممتنين لذلك، لكن.. خلال تراجعهم، لاحقوا عدداً لا يحصى من الأبرياء الذين اشتبهوا في أنهم جواسيس. كانت عائلتي مستهدفة. أطلقوا النار على والديَّ حتى الموت. ركضت للنجاة بحياتي وأنا أحمل أختي على ظهري."

تحدَّث من دون حنين، كأن ذلك حدث بالأمس، وهو ينقل تقريراً عما حصل.

"عندما كنت أركض، ظننت أنني بللت نفسي من شدة الخوف. وحسبتُ أن الرطوبة التي شعرتُ بها كانت فعلتي. لم أتوقف عن الركض.. لكنه لم يكن ما توقعت. كان دماً، من جروح أميليا. لقد أصابتها رصاصة طائشة.. لا."

عبس كوكاكي، وهز رأسه.

"ربما لا. ربما أصابها جندي في ظهرها عندما كنت أركض. أصيبت بالرصاصة عوضاً عني. لأنني كنت أحملها، لقد قامت بحمايتي."

"..."

"حاولت معالجة جروحها ، لكن الأوان كان قد فات. لقد نزفتْ الكثير من الدم، وكانت صغيرة جداً.. لم تكن لديها قوة للنجاة. أخذتْ تثرثر وهي تحتضر، وتخبرني كم كانت حياتها سعيدة."

"..."

"كانت تهذي بأنها نجحت في الهرب وعاشت، ظلت تسألني طوال هذيانها إذا كنت سعيداً أيضاً. لم تعد تستطيع الرؤية، لكنني لم أستطع التحدث. كل ما استطعت فعله هو الإيماء برأسي."

"..."

"كان هذا عندما ظهر الستاند الخاص بي لأول مرة. تمكَّنتُ من تثبيت وهمها، والتأكد من أنه لن ينتهي. لقد هربتْ إلى ذلك المستقبل الخيالي، عاشت لتكبر، وتشيخ، ويحيط بها أحفادها. لم ينته ذلك الوهم أبدا."

"..."

"بعد ساعة من وفاتها مرَّت قوات الجنرال باتون وأنقذوني. لو كانوا أسرع بقليل، لربما عاشت. لكن ذلك لم يكن مصيرها. توفيت أميليا بابتسامة على وجهها. ابتسمت لدقيقة أو دقيقتين فقط، لكن.. كانت ابتسامة تساوي ثمانين سنة من السعادة. ما الفرق بين حلمها والواقع؟"

أثارت نظرته المليئة بالهدوء قلق شيلا-إي، لقد ذكَّرتها بعيني أختها الميتة.

لكن ذلك لم يغير شيئاً. هذا الرجل لا يزال عدوها. ضغطت على أسنانها وحاولت مهاجمته.

هذه المرة، لم يتحرك. لم يحاول حتى. بل تركها ببساطة تهاجم بالقدر الذي تريد.. لكن لكماتها كلَّها أخطأت.

"هه؟"

مهما كانت محاولاتها قوية، لم تستطع ضربه.

كانت واقعة تحت تأثير قوته. عندما رأى كوكاكي تعبير وجهها، أومأ قائلاً:

"لجزء من الثانية، شعرتِ بأنك لا تستطيعين هزيمتي. لقد ثبَّتُّ هذا الشعور. جرِّبي أن تهاجميني، أو أن تقاومي، لكنكِ لن تستطيعي. هكذا يعمل رايني داي دريم آوي."

"آاااه!"

"هل يمكنك تحرير نفسك؟ هل لديك القوة العقلية للتغلب على ذلك؟ هذا ليس الستاند الخاص بي وحسب، هذا هو وزن السنوات الثمانين من سعادة أميليا. تحتاجين إلى شيء صلب، شيء حقيقي يقودك لكسر كل ذلك."

"...اااااه!"

"لا تقلقي يا شيلا-إي، لن أقتلك. ليس لدي سبب لذلك. اختبئي في مكان ما حتى انتهاء قتالنا مع جورنو جوفانا. أما أنتَ.."

استدار كوكاكي.

"هذا لا ينطبق عليك، كانولو مورولو."

جفل مورولو، وانكمش.

***

لسبب ما، غمرت عقلَه ذكرياتٌ قديمة.

ذكرياتٌ من وقت انضمام ميستا إليهم، اكتمل فريقهم، وبدأوا باكتساب سمعة في المنظمة.

ثم في أحد الأيام ، استُدعي فوغو إلى منزل بوتشالاتي وحده.

"مرحبا؟"

خطى فوغو خطوة إلى الغرفة، وتجمَّد. شعر بأن الأجواء في الغرفة غريبة. كانت هادئة للغاية. كانت الستائر مسدلة، حلَّ الظلام في الخارج.. لكن لم يكن هناك ضوء في الغرفة.

كان بوتشالاتي يجلس على الأريكة في غرفة المعيشة. اقترب فوغو بحذر شديد.

"إممـ ... بوتشالاتي؟"

لوح بوتشالاتي بإصبعه، مشيراً إليه بالجلوس أمامه. جلس فوغو، وطوى يديه على حضنه، منتظراً أن يتحدث بوتشالاتي.

لكنه لم يقل شيئا.

في الصمت، كان الصوت المنخفض لدقات ساعة قديمة صوتاً عالياً على نحو مروع.

.. ما الذي يحدث؟

بدأ فوغو يصاب بالذعر. كان بوتشالاتي حاسماً دائماً. لم يكن التأجيل من طباعه.

في النهاية، تكلَّم بوتشالاتي:

"هل كنتَ تعلم يا فوغو؟"

للحظة، كان فوغو مرتبكاً.. ثم عرف ما الذي قصده بوتشالاتي.

"..عن المخدرات؟"

"..."

"عرفتُ بأن شيئاً ما كان يحصل، تحقَّقنا منه أنا وأباكيو.."

توقف ليرى ردة فعل بوتشالاتي، لكن لم تتحرك عضلة في وجهه.

"أشار الدليل الموجود بأن الرئيس بدأ تجارة مخدراته الخاصة. ضربنا أعضاء العصابات التي نسيطر عليها، على افتراض أنهم يتعاملون بالمخدرات مجدداً.. لكنهم ضحكوا فقط. قائلين بأنه توجد لعبة جديدة في المدينة."

"..."

"عندما أبلغنا بولبو بهذا، شحب وجهه الأبيض الكبير، وأخذ يرتجف قائلاً: "ابقوا بعيدين عن هذا." من الواضح أن الرئيس لم يخبره بأي شيء عن ذلك. أعتقدُ أن الرئيس لن يسمح لبولبو بالدخول في تجارة المخدرات لمنعه من أن يصبح أقوى مما هو عليه بالفعل. وأدرك بولبو هذه وأرعبه، فهو لا يريد أن يراه الرئيس مصدراً للتهديد."

"..."

"لهذا السبب لم يخبرك بولبو. لم يكن يريد أن نتدخل. لذا أنا.."

حاول فوغو أن يشرح أكثر، لكن بوتشالاتي رفع يده.

"كفى."

كانت نبرة صوته جليدية، تجمد فوغو.

.. هل سيقتلني؟

للحظة، كان متأكداً من ذلك. كانت النبرة في صوت بوتشالاتي من ذلك النوع الذي يسمعه المرء عندما تكون الحياة على المحك.

لكن مجدداً، لم يتحرك بوتشالاتي. جلس ببساطة على الأريكة.

كان وجهه مثل الرخام، لا أثر للعاطفة. مثل وجه دمية من الخزف.

نظر فوغو إلى الحائط.

كانت هناك شبكة معلقة عليه. شبكة صيد استعملها والد بوتشالاتي. كانت ممزقة وغير صالحة للاستعمال.. لكنها كانت بمنزلة علامة على قسم أقسمه بوتشالاتي لوالده. شرح بوتشالاتي ذلك في إحدى المرات.

توفي والد بوتشالاتي عندما شهد عقد صفقة مخدرات عن طريق الخطأ، وأُطلق عليه الرصاص. كان الجرح مميتاً. لهذا يكره بوتشالاتي المخدرات كثيرا..

أخيراً قال بوتشالاتي: "فوغو، ضع أسطوانة."

وقف فوغو. كانت هذه إشارتهم، عندما يريد بوتشالاتي أن يبقى بمفرده، يطلب من رجاله أن يشغلوا أسطوانة. ثم يغادرون فور بدء الموسيقى.

"هل أضع Bitches Brew؟"

كان ذلك الألبوم المفضل لدى بوتشالاتي.

لكن بوتشالاتي هز رأسه وقال:

"لا. ضع Elevator to the Gallows"

فوجئ فوغو. كانت موسيقى Miles Davis المفضلة لدى بوتشالاتي، لكنه قال ذات مرة إنه لا يحب هذا الألبوم بالذات.

سحب الأسطوانة من الرف، وأخرجها من المغلف، ووضعها على القرص الدوار. أنزل الإبرة، وصدرتْ أصوات البوق الحزين من مكبرات الصوت.

كان أداء مذهلاً، رنين يشبه طحن الأسنان بأقصى قوة ممزوج بنغمات كتنهدات لم تنته أبداً ترافقها نغمة مأساوية بشكل ساحر.

نظر فوغو إلى بوتشالاتي، وكاد أن يشهق بصوت عالٍ. لم يسبق له أن رأى بوتشالاتي هكذا. كأنه يبكي، لكن من غير دموع. كأن الدموع جفت منذ فترة طويلة. كانت شفتاه جافتين وعديمتي اللون، ووجهه شاحباً. اختفى كل اللمعان من عينيه، فصارتا عديمتي اللون مثل حفرة بلا قاع.

.. لماذا كان يتذكر ذلك الآن؟

في ذلك الوقت شعر فوغو أن بوتشالاتي يعاني، لكنه سيجد القوة للتغلب على معاناته. ولم يكن مخطئاً، استمر بوتشالاتي في تعزيز موقعه في المنظمة، وغدا أفضل وأفضل بالتعامل مع التناقضات. لم يكن عليه أن يقلق.

إذن لماذا كان يتذكر تلك النظرة في عينيه؟

لأنه علم.

كان يعلم أن بوتشالاتي ليس بخير.

كانت النظرة في عينيه نظرة رجل يشعر بأن روحه تموت. وكانت المخدرات سبب ذلك.

ذلك الوجه، إنه..

وهو يسقط إلى الأبد، شعر فوغو بالغضب داخله يزداد. برغبة جامدة صارمة، دُفنت في قلبه، ولم تسمح بأي شيء آخر بملء روحه.

نفس الرغبة التي دفعته إلى ضرب الأستاذ الذي سخر من وفاة جدته على رأسه بقاموس يزن أربعة كيلوغرامات.

***

"أنت من سأقتله، كانولو مورولو. رجل مثلك لا يمكن السماح له بالعيش."

أمسك كوكاكي مظلته عالياً، وأخذ يمشي نحو مورولو.

تراجع مورولو مذعوراً. كان خائفا لدرجة أنه لم يستطع أن يستدير ويهرب ويخاطر بتلقيه هجوماً قاتلاً من الخلف، حتى لو قلَّل ذلك من فرصه في الهروب تماماً.

"لقد كنت تعرف، أليس كذلك؟ كنت تعرف بأن ريزوتو والقتلة كانوا خونة. شجَّعتهم على محاربة ديافولو، لم يهمَّك من منهم سيفوز."

كان قد وصل إليه تقريباً.

"السبب الوحيد وراء ملاحقتهم لديافولو هو الانتقام للعقاب الذي تلقَّاه زميلاهم في الفريق عندما حاولا كشف هوية الرئيس. لكن الشخص الذي سرَّب تلك المعلومات إلى سوربت وجيلاتو في المقام الأول.. كان أنت يا مورولو. أنا أعرف ذلك."

"أوغـ.."

"أنت تعرِّض الآخرين للخطر، وتبذل قصارى جهدك لتشاهدهم سليماً من مسافة آمنة. وقد تحاول الحصول على حصة من الأرباح. عابثاً بحظوظ الآخرين، لكنَّك لا تتحمَّل المسؤولية أبداً."

"آاااه.."

"الرجال مثلك يفسدون هذا العالم. لكن حياتك الصغيرة الفاسدة على وشك الانتهاء. سأنهيها لك."

وأشار إلى قبعة مورولو.

"إذن؟ سلاحك موجود هناك، أليس كذلك؟ يمكنني معرفة ذلك من الطريقة التي تحاول إخفائه بهاه\، لديك شيء تحتها. أهو مسدس؟ سكين؟ زجاجة حمض؟ أياً كان، حاول واستخدمه."

التوى وجه مورولو بألم. كان يعرف ما سيحدث. عندما يحاول المرء استعمال سلاح، عليه أن يكون حذراً على الدوام من إطلاق النار، أو جرح يده بسكين، وفي اللحظة التي سيفكر فيها بذلك، سيفوز كوكاكي.

إذا حاول مهاجمته، سيدمِّر نفسه.. كيف سيقاتل إذن؟

أستطاع كوكاكي بسهولة أن يجعل من مقاتِلة ذات خبرة مثل شيلا-إي عاجزة.. لم يكن لدى مورولو فرصة. كان على يقين من أن مهمتهم انتهت هنا. لكن بعد ذلك..

زمجر الرعد من بعيد، لكن الغيوم فوقهم لم تكن غيوم عاصفة، وكان رذاذ المطر المنهمر هو قدرة كوكاكي، وليس ظاهرة جوية طبيعية.

لاحظ كوكاكي ذلك أيضا.

الرعد.. كان يقترب.

اتسعت عينا كوكاكي من المفاجأة.

قال وهو ينظر للأعلى: "لا.. لا!"

كان يشبه صوت الرعد، لكنه لم يتوقف، بل يصير أعلى وأعلى.

"لا يعقل أن يكون..!"

كان الصوت لا يصير أعلى وحسب..

بل أقرب.

أيا كان ما يُصدر ذلك الصوت، فهو يندفع نحوهم بسرعة عالية، 9.8 متر في الثانية كحدٍّ أقصى.

إنها سرعة سقوط الجسم بشكل مستقيم.

في الوقت الذي أصبح فيه مرئياً، كان الأوان قد فات.

استخدم الستاند الخاص به... لرمي نفسه في السماء؟

تساءل كوكاكي إذا كان قد فاته شيء. لم يكن لديه وقت لاكتشاف ما يكون.

للحظة، التقت عيناهما، عيناه، وعينا باناكوتا فوغو وهو يسقط من السماء.

كانت المرة الوحيدة التي توقف فيها إحساس السقوط لديه عندما كان يسقط حقاً من مئات الأقدام في الهواء، بنفس سرعة هطول قطرات المطر. هذا السبيل الوحيد للهروب من ذلك الإحساس.

فتح كوكاكي فمه، لكن لم يكن لديه وقت ليصرخ. كان ستاند فوغو أمامه مباشرة، وهبط أولاً. كانت الضجة صادرة منه، كان الرعد زئيراً غاضباً هائلاً.

 

"بااششششاااااااااااااا!"

 

ضربت قبضةُ الستاند كوكاكي، وانتشر الفيروس. تحطَّم عنقُ العجوز الهشِّ من قوة الضربة، لكن الفيروس لم يهتم، أصابه على الفور، وانتشر، وتضاعف، والتهمه.

وحشي.

انفجر الهجوم، ثم اختفى مثل عاصفة صيف.

لمسة واحدة من بيربل هيز تعني الموت.

كان هذا هو ستاند باناكوتا فوغو.

***

قفزت شيلا-إي نحو الأمام ، وأمسك فودو تشايلد فوغو وهو يسقط. لم يكن فوغو قد خطَّط لكيفية إيقاف سقوطه، ألقى نفسه ببساطة على نحو انتحاري، تلقَّت شيلا-إي الصدمة عندما التقطته.

تعثَّرت، لكنها استعادت قوتها، ووقفت تتنفس الصعداء.. التفت يد حول عنقها.

يد فوغو.

كان يخنقها، كأنه يريد قتلها. بدأت شيلا-إي تصاب بالذعر.

"توقفي! كفى!"

مورولو. نظرت إليه طلباً للمساعدة، لكنه هز رأسه.

"ليس هو، بل أنتِ يا شيلا-إي. أبعدي الستاند الخاص بكِ، واتركي فوغو."

نظرت شيلا-إي، لا يزال فودو تشايلد ممسكاً بفوغو، ذراعاه ملفوفتان بإحكام حوله وقد تحطِّمان عموده الفقري بأية لحظة.

تمكَّنتْ من سحب الستاند، وإطلاق سراح فوغو، فترك عنقها.

وقف من دون أن يقول أية كلمة. لا يزال ظل.. شيء ما.. على وجهه. لا وجود للتردُّد في عينيه. إنها النظرة التي قال بوتشالاتي إنها تميزه كشخص لم يعد بإمكانه العيش في عالمهم.

حدَّقت به شيلا-إي طويلاً، لكنها أشاحت بنظرها عنه. باحثة عن العدو الذي قتله للتو.

لكن لم تكن هناك بقايا له في أي مكان. لقد ذاب تماماً من دون أثر.

قتله على الفور بلكمة واحدة، لكن بينما استمرت الوظائف الحيوية للجسم بالعمل، انتشرت العدوى، وكل خلية في جسده تعفنت وتبخرت.

سرت قشعريرة في عمودها الفقري. لقد أنقذهم، لكنها لم تستطع أن تشعر بالامتنان.

ذهب مورولو إليه وقال شيئاً، لكن لم يكن لدى شيلا-إي طاقة لتصغي إليه.

توقف المطر، وظهرت سماء صقلية الجميلة من خلف الغيوم. لكن في داخلها، شعرت بالكآبة فقط.

 


اسم الستاند: رايني داي دريم آوي

اسم المستخدم: فلاديمير كوكاكي (70)

 

القوة التدميرية: E - السرعة: B (بسرعة هطول المطر) - المدى: A

الاستمرارية: A - الدقة: E - التطور: E

 

القدرة: يثبت فكرة أو عاطفة أو إحساس. يغطِّي المنطقة على شكل أمطار ضبابية، ويستطيع أن يستهدف أي شخص في ذلك النطاق. بمجرد أن يثبِّتَ الهدف، لا يمكن للشخص الهروب أبداً. إن تساءل شخص مصاب بمرض طفيف عما إذا كان المرض سيقتله. وتم تثبيت هذه الفكرة، فسوف يُقتل. يستخدم عقلَ الخصم ضدَّه، ولن تحرِّره المسافة بينه وبين كوكاكي من تأثيره. 

1 comments:

Author
avatar

قلبي الصغير لا يمكنه التحمل
كملوووو😭😭😭

Reply