على المسافرين
إلى إيطاليا أن يكونوا مستعدين لمواجهة الإضرابات أو sciopero،
كما يطلق عليها السكان المحليون.
الإضراب الوطني
يتسبب بإيقاف جميع وسائل النقل، وإغلاق المتاحف، ولن يستطيع السياح رؤية الكثير من
المعالم. كان عمال الموانئ حول مضيق ميسينا مضربين عن العمل في ذلك اليوم. فقد
كانت جميع المعابر مغلقة، وتحوَّل الميناء الصاخب إلى مدينة أشباح.
سأل فوغو:
"هل هذا الإضراب من افتعالنا؟"
ابتسم له مورولو
دون أن يرد. ربما أمرت باشوني بذلك. عادة ما يكون العالم السفلي وراء كل
إضراب. فقد كان مشهد رجال العصابات الواقفين بين العمال المضربين يسألونهم عن
تفاصيل الصفقات غير القانونية مشهداً يومياً في إيطاليا.
قالت شيلا-إي
متولية القيادة: "حسناً. المستودع الذي عثروا فيه على بقع الدم في هذا
الاتجاه." تبعها الآخران. لم تكن هناك لافتة معلقة على باب المستودع. حاولت
شيلا-إي فتحه، ولكنه كان مقفلاً. أخرجت الستاند الخاص بها.
همست: "فودو
تشايلد.." وانفتح الباب مصدراً صوتاً عالياً بضربة قوية لا تراها الأعين
العادية.
قال مورولو:
"لدي المفتاح." ولكن شيلا-إي تجاهلته.
دخلت يتبعها
الستاند الخاص بها. كان "فودو تشايلد" ستاندا بنطاق قوة قصير. لم
يغادر الظل المغطى بالأنياب جانبها أبداً.
عندما وصلت
شيلا إي إلى أكثر بقعة داكنة من الدم، أخذ فودو تشايلد يضرب الأرض من حوله
بقبضتين حديديتين.
"يريريريريريريريريييي..!"
صرخ مخرجاً كل
الهواء من داخله، وضرب الأرض كطفل غاضب.
وسرعان ما بدأت
الأرضية الخرسانية تتكسر وظهرت تشققات كثيرة عليها.
وبعد برهة،
تغيرت تلك الشقوق.
أصبح كل شق
شفتين، زمَّت الشفاه نفسها، ثم بدأت بالكلام سوية:
"الأحمق
لديه بالفعل فتاة أخرى بجانبه." "لا يعرفون كم خسرت في المقامرة."
"عليَّ أن ألقي باللوم عليه بطريقة ما لإخفاقي." "ربما ضربت الطفل
كثيرا." "أنا أكرهه كثيرا! علينا أن ننشر إشاعة أخرى عنه."
لم تكن هناك
صلة ولا سياق يشعر بأن هذا الكلام كان محادثة، فقط..
فكَّر فوغو: "أوه،
هذه كلها جمل قالها الأشخاص الذين عملوا في هذا المستودع. إنها أمور لا يريدون أن
يسمعها الآخرون. أفكار ومشاعر متسربة للأرض. شعورهم بالذنب وكراهيتهم أبقتها هنا
إلى أن أخرجتها شيلا-إي إلى السطح.
قالت بأنها
كانت تبحث عن قاتل أختها، وقد انعكس بحثها هذا في قوَّة الستاند الخاص بها.
فهو يسمح لها بمطاردة الأدلة وكشف الآثام، والحصول على الانتقام. شخصيتها واضحة
تركِّز على هدفها.
على عكسي
تماماً..
قطع فوغو هذه
الأفكار، لن تقوده لنتائج جيدة. فضَّل ألا يمعن التفكير بخصوص ما يقوله فيروس بيربل
هيز القاتل عن حالته العقلية.
تجاوزت شيلا-إي
الأصوات واحداً تلو الآخر إلى أن بقي واحد.
"أنا
أطيعك، أطيعك، أطيعك، أطيعك،."
قال فوغو:
"هذا هو! إنه صوت فولبي!"
أومأ مورولو
قائلاً: "لقد تقاتلوا هنا إذن. لسنا أول من أُرسل في أثرهم، لقد قُضي على
المجموعة الأولى هنا. لا شك بأن جثثهم تنام مع الأسماك الآن."
سألت شيلا-إي:
"ولكن ماذا يعني ذلك؟ هل شعر فولبي بالذنب لاتباعه كوكاكي؟ لم أفهم. لو أنه
أراد تولي القيادة وكان يخفي ذلك، لكان فودو تشايلد قد قال ذلك."
نظرتْ إلى
فوغو.
قال: "لا
أعرف. ليس الأمر كما لو كنت أعرفه جيداً."
لوح مورولو
بيده محتجاً: "لسنا بحاجة إلى التعرف على شخصيته. المهم أننا أثبتنا بأن
نبوءة برج المراقبة خاصتي كانت صحيحة. لقد غادروا الميناء وعبروا المضيق متوجين
إلى تاورمينا!"
نفخ صدره
مفتخراً. نظرت شيلا-إي نحوه، ثم تنهدت قائلة:
"أظن أنك
محق."
"أتينا
إلى هنا لنتأكد، وها قد تأكدنا. لنذهب."
توجهوا إلى
القارب الشراعي الراسي في المرفأ. فقد كانت الطريقة الوحيدة لإبحار من صقلية خلال
الإضراب ركوب سفينة خاصة.
عندما رأى فوغو
اليخت الذي زودوا به، ، توقف عن التنفس، كان تصميمه نفس تصميم القارب الشراعي الذي
كان لدى بوتشالاتي.
تذكر أول مرة
رأى فيها ذلك القارب..
***
"تباً!
هذا مدهش! هل هذا حقاً لبوتشالاتي؟!"
رقص نارانشا
فرحاً، كان في السابعة عشرة، ولكن عينيه لمعتا كعيني طفل في السادسة.
أجاب فوغو:
"هذا ما قاله." كان واثقاً من أن بوتشالاتي دعاهم إلى القارب لمهمة
سرية. وكان متوتراً لدرجة أنه لم يستطع الاستمتاع بذلك. ولكن تلك الفكرة لم تدخل
لرأس نارانشا، كان يستمتع بفكرة الإبحار بالقارب بكل بساطة.
هز فوغو رأسه
قائلاً: "ما رأيك يا أباكيو؟"
ظل أباكيو
صامتاً ولم يجب. لقد كان شرطياً فيما مضى، وكان صمته ثقيلاً. اعتاد فوغو على ذلك،
ولكنه رآه يتسبب للأطفال بالبكاء بالصمت فقط.. ثم يحدق بهم دون أدنى شعور بالذنب.
لقد كان رجلاً من هذا النوع.
قال فوغو:
"هل ما أظنه صحيح يا ترى."
"..."
"لا أدري
ما الذي يستطيع جورنو هذا فعله، ولكن بما أننا نجلب معنا شخصاً جديداً على متن
القارب، فلا شك بأنه حان الوقت."
"..."
قال فوغو
بحماس: "أنا واثق من أنهم سيرقون بوتشالاتي لرتبة رئيس فرعي، لديه الإنجازات،
ولديه الدعم. كان ينبغي أن يكون قد ترقى الآن، ولكن.."
همس أباكيو:
"لا تبني توقعات، هذا ضعف منك، فوغو، أنت تفكر كثيراً. تفكر بأشياء من الأفضل
أن تتُرك بدون تفكير."
عضَّ فوغو
لسانه.
"إن دورنا
هو القيام بما يخبرنا به بوتشالاتي. وعلينا أن نثق به. هذا كل شيء؟ هل أنا مخطئ؟
ثق به.. ولكن لا تثق بهذا الجديد. كن حذراً منه."
"حقاً؟
ولكن بوتشالاتي أحضره. أثق ببوتشالاتي ولا أثق بمن يثق به بوتشالاتي؟ أليس هذا
تناقضاً؟"
"اصمت، إنهما
أمران مختلفان وأنت تعرف هذا."
عاد نارانشا
إليهما راكضاً.
"لنلتقط
صورة! فليصطف الجميع أمام القارب!"
لم يستطع فوغو
منع نفسه من الابتسام.
قال ميتسا من
خلفهم: "فكرة جيدة! بوتشالاتي، أنت أيضاً. والجديد سيلتقط الصورة."
رمى آلة
التصوير نحو جورنو، ووقف أمام القارب. هزَّ بوتشالاتي رأسه وحذا حذوه.
قال جورنو:
"حسناً، فلينظر الجميع إلى هنا"، بدا وكأنه قد قام بذلك مئات المرات من
قبل. ركَّز اللقطة بحيث يظهر الخمسة وللقارب من خلفهم وضغط الزر. كانت السماء
خلفهم زرقاء صافية.
***
لكن السماء
اليوم رمادية وغائمة.
أتساءل ما الذي
حدث لتلك الصورة..
نسي أمرها
تماماً. لقد أبحروا إلى ميناء مارينا غراندي، في جزيرة كابري. تمت ترقية بوتشالاتي
لزعيم فرعي. ولكنه كُلِّف بالمقابل بحماية ابنة الرئيس التي كانت مستهدفة من فريق
القتلة. لم يحظ أي واحد منهم بفرصة لتحميض الفيلم. ربما ما زال داخل آلة التصوير.
قد يكون في أي مكان.
في الوقت الذي
سحب فيه فوغو نفسه من أحلام اليقظة، كانت اليابسة على مرمى من البصر، وكان مورولو
يوجههم أقرب إلى الشاطئ.
صقلية.
غزى هذه
الجزيرة الفينيقيون واليونانيون والعرب والنورمانديون وآخرون، ولكن السكان
المحليين يدعون أنفسهم بالصقليين -وليس بالإيطاليين- حتى هذا اليوم. امتصت الثقافة
الكثير من التأثيرات لدرجة لم يعد من الممكن معرفة ما الذي يميز الصقليين. فيها
كنائس مبنية على الطرازين العربي والغربي. كانت جزءاً من التاريخ لكونها مركزاً
تجارياً في وسط البحر. واتخذها أرخميدس أحد أشهر الفلاسفة اليونانيين موطناً له،
ومكاناً لنشر معارفه. قبل أن تقع في أيدي الغزاة.
أنتج المكان
النور والظلام بمقدارين متساويين. "أعظم مشهدين للإنسان: الملهاة والمأساة،
بقدرٍ متساوٍ" هذا ما كتبه المؤلِّف جوزيبي
فافا، قبل أن تغتاله المافيا التي شنَّ حملة ضدها.
عندما هبطت
قوات الحلفاء هنا خلال الحرب العالمية الثانية، أصبحت هزيمة دول المحور أمراً
مؤكداً، ولن يعود التاريخ كما كان أبداً.
كان هذا النوع
من الأماكن.
وقف فوغو يحدق
في المنحدرات التي تغدو أقرب فأقرب.
"من الأرض
إلى فوغو؟" هذا ما قالته شيلا-إي، وهي تقف خلفه.
قفز فوغو. ثم
قال على نحو أخرق: "إم.. مرحباً."
"أرجوك لا
تقل إنك متردد لأنك أعتدت أن تتسكع مع فولبي."
"لا، لا
شيء من هذا القبيل."
"إنه أصل
كل الشر. لا يمكن السماح له بأن يعيش."
"نعم،
نعم، المخدرات سيئة."
قالت شيلا إي:
"أنت لا تفهم. أعرف بما تفكر: إذا كانوا يريدون تعاطي المخدرات، فلنتركهم
يفعلون ذلك. إنه خيارهم. إن كانوا يريدون الموت، فمن يكترث لذلك؟ صحيح؟"
"..."
"هذا خطأ،
ما يمتص المخدرات ليس الجسد المكون من لحم ودم، بل الروح. يُنتج جسم الإنسان
المسكنات على نحو طبيعي لتخفيف الألم، أو للمساعدة على تحمِّل الألم. ولكن إن
تعاطينا المخدرات، فهذا لن يلغي أسباب الألم. بل على العكس: سيضاعفها، المخدرات
تضاعف المعاناة. ولكن الأشخاص الذي يتعاطون المخدرات يصبحون أقل وعياً بذلك
تدريجياً. فتنتشر المعاناة إلى عائلاتهم. إلى الأبرياء من حولهم. ويستغل أولئك
الذين يبيعون المخدرات الضعفاء، ويهينون العالم وكل من فيه، يهينون الإنسانية
وكرامتها ويهينون المستقبل والحياة بذاتها. إنهم يستحقون ما سينالون."
تحدثت شيلا-إي
وكأنها تقرأ نصاً. أو كأنها حفظت كلاماً أخبرها به شخص آخر. كانت تكرره بحذافيره.
كلام شخص موثوق به على نحو مطلق.
جورنو جوفانا.
إنها تثق به
ثقة عمياء. إن أمرها أن تموت، لن تتردد. ستترك فيروس فوغو يقتلها. ولهذا أرسلها
لتقابله.
رأى فوغو
أناساً وثقوا بآخرين على هذا النحو من قبل، وثقوا بهم أكثر من ثقتهم بأنفسهم. أدرك
اليأس الذي يقبع خلف ذلك. تذكر ما قاله الصبي..
"بوتشالاتي..
ماذا عليَّ أن أفعل؟ هل عليَّ أن آتي؟ أنا خائف. ولكن إذا أمرتني بالمجيء، إن قلت:
تعال معي! فسأجد الشجاعة. لن أخاف من أي شيء إذا أمرتني بذلك."
كانت عينا
شيلا-إي كما كانت عينا نارانشا.
نارانشا...
لم يكن هكذا
دائماً، لم يكتسب إيمانه ببوتشالاتي بين ليلة وضحاها. عاش نارانشا حياته من أجل
بوتشالاتي. وعانى في طريقه، وخاض معاركه الخاصة. عرف فوغو ذلك أكثر من أي شخص آخر.
فبعد كل شيء..
أنا من قدَّم
نارانشا إلى بوتشالاتي.
***
تم استدعاء
فوغو إلى مطعم بوتشالاتي المفضل ليناقشه بخصوص عمل. كان متأخراً ويركض عندما رأى
الصبي.
كان الصبي
يفتِّش في صناديق القمامة المرمية في الفناء الخلفي، يأكل فضلات الخضار ويبحث عن
اللحم في عظام الحساء.
بدا مثل أي طفل
متشرِّد. كان الاقتصاد في حالة من الفوضى، وكان هناك أناس مثله في كل زاوية. عادة
ما كان فوغو ليعيد النظر.
فلماذا توقف
ونظر؟ لأن الصبي عندما رأى فوغو يحدق به، لم يبدُ مذنباً أو خجولا أو حتى غاضباً.
كانت هالة من الاستسلام تحيط به، كأنه علم منذ فترة طويلة بأن لا شيء يقال له ولا
شيء قد يقوله سيغير أي شيء. علم فوغو فيما بعد بأن الإصابة في عين الصبي تلوثت
لدرجة سيئة وقيل له إنه سيموت بسببها. ولكن ما شعر به فوغو في تلك اللحظة لم يكن
ذلك النوع من الاستلام. لم يكن استسلاماً شديداً، بل كان عادياً جداً. عادياً جداً
ليجعل فوغو يشعر بالشفقة تجاهه، أو أن ينظر إليه بازدراء.
كان اسم الصبي
نارانشا غارشيا.
التقت
نظراتهما، وبعد ثانية -ولأسباب لم يفهمها هو نفسه- مشى فوغو نحو الصبي، وأخذ ذراعه
وجره إلى المطعم. لم يقاوم الصبي وتركه يقوده. ولم يتوقف فوغو ليرى كيف ستكون ردة
فعله. وفي اللحظة التي دخل فيها إلى المطعم، قال لبوتشالاتي:
"أود أن
أقدم له بعض السباغيتي. ليس لديك مانع، أليس كذلك؟"
بدا مالك
المطعم مندهشا، لكن لم يرفَّ جفن لبوتشالاتي. دعاهما للجلوس، ودفع بطبقه إلى
نارانشا. من دون أن ينظر نحو فوغو حتى.
عرف فوغو بأنه
سيفعل ذلك. كان بوتشالاتي طيباً مع الأطفال. خاصة الأطفال الواقعين في مشاكل.
تساءل فوغو فيما بعد إن كان جلب نارانشا معه ليغطي على تأخره وحسب. لكن هذا فقط
لأنه لم لكن واثقاً من السبب الحقيقي.
عندما لاحظ
بوتشالاتي مرض نارانشا، اتصل بسيارة أجرة، وأخذه مباشرة إلى المستشفى. وظل فوغو
وحده في المطعم.
وجد نفسه بلا
شهية، يحرك الطعام في طبقه بلا مبالاة.
كانت نظرة
نارانشا تطارده. شعر كأنه رآها في مكان ما من قبل. وبأنه يعرف ذلك الفراغ في عيني
الصبي.
قال مالك
المطعم: "أكره أن أقول ذلك يا سيد فوغو"، كانت هذه المنطقة تابعة
لبوتشالاتي، وكانت حماية الأعمال فيها جزءاً من عمل فوغو. "ولكن لا يمكنك أن
توزع الهبات للأولاد على هذا النحو. إن انتشرت هذه القصة، فسيكون لدينا حشد منهم
خارج المطعم."
قال ذلك على
نحو مباشر قدر الإمكان.
قال فوغو
باقتضاب: "لا تقلق. ليس لديه أي أصدقاء."
لماذا كان على
يقين من ذلك؟ لم يعرف، لكنه كان واثقاً من أنه كان على حق.
"ومع ذلك..."
"سمعتك.
لن أفعل ذلك مرة أخرى ، وسأحرص على أن أوصل هذا لبوتشالاتي."
تنهد المالك
قائلاً: "يكون بوتشالاتي طيب القلب جداً في بعض الأحيان. أظن أن أمي من معجبيه
لهذا السبب. ولكن بصراحة.. أود أن أدفع المزيد من أموال الحماية مقابل أن يخفف من
هذه الأمور."
"لا أحد
يزعجك الآن، أليس كذلك؟ أترك الأمور على حالها."
"أريد
زبائن من طبقات أعلى. وبجيوب أكثر امتلاء. ومع كل هؤلاء الفقراء الذين
يأتون.."
فجأة غلى دم
فوغو من كلمات المالك. ضرب قبضته بعنف بطبق طعامه الساخن، وحطَّم الطبق. لقد فقد
صوابه.
عندما تراوده
نوبات الغضب العنيف هذه، لا يستطيع التوقف. ولا يملك فكرة عما قد يفعله.
قفز المالك
متراجعاً ومرعوباً بلا تعابير على وجهه. أخرج فوغو محفظته بيده النازفة التي
انغرزت فيها شظايا من الطبق المحطم. ورمى المحفظة إلى المالك بدون أن ينظر نحوه.
"هذا
مقابل الطبق والمشكلة، احتفظ بالباقي."
وخرج غاضباً من
المطعم.
لم يسمح لنفسه
بالتساؤل عن سبب غضبه الشديد.
بعد ستة أشهر،
صادف فوغو نارانشا في الشارع. ركض الصبي نحوه هاتفاً:
"يو! ألست
أنت من ساعدني؟"
تم علاج التلوث
في عين نارانشا، وعاد سليماً معافى. كاد فوغو بأن يندم على ذلك، لم يكن يحب أن
يتصرَّف الغرباء بودية معه.
ولكن نارانشا
تحدث بيأس واضح: "كنت أبحث عنك. لا أعرف شخصاً غيرك بإمكانه المساعدة."
عندما رأى عيني
الصبي، توقف فوغو. لقد كانتا مختلفتين. هاتان ليستا العينين اللتان رآهما من قبل.
"أنت رجل
عصابات، أليس كذلك؟ كل من في الشارع يقول بأنك يد بوتشالاتي اليمنى. الجميع
يحترمك."
"اسمك
نارانشا، أليس كذلك؟ ماذا تريد؟"
"إمـ..
أنا بحاجة ماسة إلى خدمة منك. أنا شاكر لكل ما فعلتماه، وأريد أن أعوضكما. هل
يمكنني الانضمام إلى عصابتكم؟"
"ماذا قال
بوتشالاتي؟"
كان فوغو يعرف بالضبط
ما قاله. حدق نارانشا إلى قدمه وأجاب بعبوس: "عد إلى المنزل يا ولد. واذهب
إلى المدرسة."
"قم بذلك
إذن."
"لا تقل
ذلك! أنا.. أقصد، يعني.. إمـ.." تلعثم نارانشا ولم يستطع الاعتراض بعبارة
متماسكة. ومع ذلك شعر فوغو بأنه يعرف ما يريد الصبي قوله بالضبط.
"لا تستطيع
الوثوق بوالديك ولا يعلمونك سوى الأكاذيب في المدرسة. هل أنا محق؟"
بدا نارانشا
متفاجئاً وقال: "نـ.. نعم... كيف عرفت؟"
"استسلم
يا ولد. هذه هي حال العالم."
"بحقك يا
رجل. أنت تعرف كيف يكون ذلك. عندما تراه، تشعر بـ.. وكأن.. في صدرك، هنا، تشعر
بالطمأنينة. وبقوة تكفي لمواجهة أي شيء. الطريقة التي غضب فيها من طفل قذر مثلي،
كان غاضباً مني حقاً. والدي والمعلمون يغضبون مني فقط لأن عملهم هو توبيخي. لكن
هو..."
كانت هناك دموع
في عيني نارانشا. لكنها لم تخفف لمعانهما.
اختفى
الاستسلام واليأس اللذان كانا في عينيه عندما كاد يتعفن في مكب القمامة. لقد منحه
لقاء بوتشالاتي مستقبلاً.
منحه حلماً..
بالطريق الذي أراد سلكه في الحياة.
أدرك فوغو
أخيراً لماذا ساعد نارانشا في ذلك اليوم.
إنه مثلما كنت:
مثلما كنت وحيداً في مركز الشرطة، قبل أن ينقذني بوتشالاتي.
كان متأكداً
أنه لا يوجد أحد قادم لإنقاذه، لقد تخلى عن كل شيء. وعندما رأى فوغو ذلك، قرر
تقديم المساعدة.
لكنه كان
مختلفاً الآن.
لم تكن عيناه
مثل عيني فوغو.
لا شيء مثل
فوغو القديم، ولا شيء مثل فوغو الجديد. كان الضوء في عينيه شيئاً آخر تماماً.
"أرجوك يا
رجل. أعدك بأنني لن أخبر بوتشالاتي.."
كان يتسول بكل
معنى الكلمة. ممسكاً بكم فوغو. إن رفض فوغو مساعدته، فلن يستسلم. لكن إذا تجول في
الأرجاء يطلب الانضمام إلى باشوني، قد يتسبب ذلك بمقتله.
أخذ فوغو نفساً
عميقاً، ثم تنهد.
قال بهدوء:
"استدر يا نارانشا."
"همم؟
لماذا؟"
"قم
بذلك."
أدار نارانشا
رأسه مرتبكاً، عبس.. ثم صرخ:
"ما.. ما
هذا بحق الجحيم؟ يشبه الشبح أو.. أستطيع الرؤية من خلاله!"
أومأ فوغو
قائلا: "إذا كنت تستطيع رؤية بيربل هيز، فلديك الإمكانية."
"هه؟
ماذا؟"
"ينبغي أن
تكون قادراً على اجتياز اختبار بولبو دون أي مشكلة. لن يتسبب بمقتلك ."
أعاد فوغو
الضباب الأرجواني.
حدَّق نارانشا
به وقال: "هل يعني أنك وافقت؟ هل ستسمح لي بالانضمام؟"
"سأقدمك.
وما بعد ذلك متروك لك. حاول ألا تتصرف كأحمق عندما تقابل الرئيس الفرعي."
عبس نارانشا:
"لست أحمقاً!"
"قولك هذا
طريقة رائعة لتبدو أحمقاً يا ولد."
"لماذا
تتحدث إليَّ بهذه الطريقة؟"
"أي
طريقة؟"
"تناديني
بالولد. أنت تعلم أنني أكبر منك، أليس كذلك؟"
"وماذا
إذن؟ أنا رجل عصابات معترف به منذ أكثر من عام."
"نعم،
لكن.."
لم يبدُ
نارانشا سعيداً بذلك، عرف فوغو السبب. لم يكن نارانشا يريد أن يكون مديناً لأحد
غير بوتشالاتي. لا يهمه التسلسل الهرمي لباشوني.
"حسناً،
أعدك بألا أناديك بالولد."
"هل تسخر
مني؟"
"يمكنك
مناداتي فوغو. نحن متساويان."
"متأكد من
أنك لا تريد مناداتي بـ"سيد"؟"
"كلا. لن
أدعو أحمقاً بـ"سيد"، إضافة إلى أن بوتشالاتي نفسه لا يسمح لنا بمناداته
بهذا."
"أوه؟
لحظة، هل دعوتني بالأحمق للتو؟"
"بوتشالاتي يكره الحمقى."
"أوه.."
..في ذلك
الوقت، كان فوغو ونارانشا في الموقف نفسه، لقد أنقذهما بوتشالاتي، وكانا يعملان
لسداد دينهما. كان هناك فرق طفيف بينهما.
أما الآن؟
نارانشا ميْت. وعلى فوغو أن يقتل أفراد فريق المخدرات ليثبت أنه لم يكن خائناً.
أيهما كان
الأفضل؟ كان نارانشا على قناعة بأن العمر هو الأهم. ما الذي كان يفكر به؟
لا يهم. لم يعد
نارانشا موجوداً. على فوغو أن يجد الجواب لنفسه.
ما الذي كنت
تعنيه يا نارانشا؟ ما الذي قلته في جزيرة سان جورجيو ماجيوري؟
كان ذلك آخر شيء سمعته منك.
لم يلاحظ فوغو
الغارق في أفكاره اقترابهم من شواطئ صقلية.
قالت شيلا-إي
وهي تحدق في السماء: "بدأ المطر بالهطول."
تناثرت قطرات
المطر على خديها.
***
قرر مورولو أنه
من الأفضل تجنب الموانئ. لذا رسوا قبالة الساحل الصخري وأكملوا طريقهم نحو اليابسة
بقارب نجاة.
كان ساحل
الجزيرة محدوداً بمنحدرات صخرية تجعل الرسو مستحيلاً، لكنهم استخدموا قوة الستاند
الخاصة بهم لتسلق سطح الجرف العمودي. استخدم فوغو وشيلا-إي بيربل هيز وفودو
تشايلد لحملهما هما ومورولو الذي لم يكن الستاند الخاص به مناسباً للأعمال
التي تتطلَّب القوة. كان على فوغو أن يكون حذراً جداً لكي لا ينطلق الفيروس.
"هل سيكون
اليخت بخير؟"
"يوجد
نظام أمني على متن القارب. إن حاول شخص الصعود فسنعرف. وإن رصدت الكاميرات فولبي أو
الآخرين ، فالقارب مبرمج على أن ينفجر."
"ماذا لو
صعد أناس أبرياء معهم؟"
"تباً
للتفاصيل والرسوم التوضيحية."
حدقت شيلا-إي
في القارب للحظة ، ثم جلعت فودو تشايلد يلتقط صخرة ويرميها إلى القارب.
"يرييييييي!"
ارتطمت الصخرة
بالقارب واخترقته وسرعان ما غرق القارب بأكمله.
قال مورولو:
"ربَّاه."
تجاهلته
شيلا-إي، وقالت وهي تمشي مبتعدة: "هيا بنا." تبعها الآخران.
لم تكن هناك
طرق قريبة متصلة بالجرف، وكانوا مجبرين على المشي بين المنحدرات الخطرة. لم يتحول
المطر الشبيه بالضباب إلى مطر كامل، ولم يتوقف عن الهطول أيضاً. نظر إلى الأعلى،
لكنه لم يستطع رؤية صدع واحد في السقف الذي شكلته الغيوم. غالباً ما يكون طقس
الساحل مزعجا في هذا الوقت من السنة، ولكن..
لقد ساعدنا على
الرسو دون يكشف أمرنا، ولكني لا أشعر بالراحة حياله.
فبعد كل شيء،
استطاع فريق المخدرات التملُّص من شبكة جورنو والهروب إلى صقلية. من يعرف ما هم
قادرون عليه؟
ارتجف فوغو.
كان يشعر بقشعريرة تمر في كل عموده الفقري كلما فكَّر في جورنو.
لم يعمل مع
جورنو لفترة طويلة، ولكن عندما يسترجع الماضي، لا يستطيع إيجاد شيء واحد خاطئ قاله
الفتى الأشقر. كلُّ خطوة قام بها كانت صحيحة، كل تصرُّف هو خطوة نحو تحقق الأهداف
الأكبر. في كل مرة كان فوغو مقتنعاً بأنهم لم يعودوا يستطيعون فعل شيء، كان جورنو
يصلح الأشياء ببساطة.
لماذا أرسلني
جورنو لمطاردة فريق المخدرات؟
لم يقم ذلك
الفتى بشيء دون سبب. يجب أن يكون هناك بعض سبب واضح وراء هذه الخطة. لأنه ببساطة
لم يستطع رؤية جورنو يرمي خونة مشتبهاً بخيانتهم في إثر خونة حقيقيين بهدف تنظيف
المنظمة.
يجب أن يكون
لديه سبب، بعض الدوافع الخفية أو البعيدة.
عند هذه النقطة
أدرك أن شيلا-إي كانت تحدق به.
سأله:
"ما.. ماذا؟"
ثبتت شيلا-إي
عينيها عليه. ولم تحد ببصرها عنه. ومع ذلك لم تتعثر. خطوة خاطئة على هذه الأرض
الصخرية وستقع ، لكن خطواتها لم تخطئ أبداً. كانت مشاهدتها تشبه مشاهدة قط جبلي أو
نينجا.
قالت:
"كنت تفكر في جورنو، أليس كذلك؟"
ابتلع فوغو
ريقه.
ثال: "لا
شيء سيئاً! كنت فقط أتساءل إذا كان ينوي أن تنجح هذه الخطة حقاً."
"عندما
قابلت جورنو لأول مرة، بماذا فكرت؟"
"فكرت؟"
"شعرت."
"إمم.."
تردد فوغو. بدت عينا شيلا-إي وكأنهما تريان أعماقه. ستكشفانه إذا كذب. لذلك قال
الحقيقة: "لم نكن نعرف من هو حقاً، لذا لم نقم.. بتقديره تماماً. اعتقدت.. أن
الطريقة التي قدم بها نفسه يمكن أن تفهم خطأً على أنها ضعف. لكن بدا أن لديه
الإمكانية على أن يكون أكثر من ذلك."
"..."
"هذا ما
فكرتُ به في ذلك الوقت، على أي حال. ظننا جميعنا أنه فرد جديد وجده
بوتشالاتي."
بدت شيلا إي
مترددة.
قالت بعد قليل:
"قال لي جورنو هذا: لقد اعتبرتني شخصاً صادقاً لأنك صادقة."
"هه؟"
"سألتُ
ميستا نفس السؤال. قال إنه يعتقد بأن جورنو محظوظ، شخص جلب الحظ للفريق. هل فهمت
ما أعنيه؟"
"إم.."
"ميستا هو
المحظوظ، أليس كذلك؟ عندما ينظر الناس إلى جورنو، يرون شيئا لا يسبر غوره ويرون
أنفسهم منعكسين فيه. إنهم ينجذبون إلى قوته، وينتهي بهم الأمر برؤية أنفسهم فقط.
لم تكن شيلا-إي
تعرف بأن فتى يدعى هيروسي كويتشي كان قد وصف جورنو ذات مرة بأنه: "روح لطيفة.
من الغريب أن أقول ذلك، باعتبار أنه سرق أمتعتي." كان كويتشي نفسه الروح
اللطيفة، شخص يلهم الإخلاص للأصدقاء في أوقات الشدة.
نفدت الكلمات
لدى فوغو.
"وعلى هذا
المنطق، فإن الشخص الذي لديه إمكانات غير مستغلة.. هو أنت"
قالت شيلا-إي
متشككة: "أو أنك تؤمن بذلك في أعماقك على الأقل، لكن عندما أنظر إلى الستاند
الخاص بك، إلى الفيروس القاتل الذي ينشره بيربل
هيز، أرى النهاية، نهاية الخط. أين الإمكانيات في ذلك؟"
لم يكن لدى
فوغو إجابة. قال: "حقاً لا أعرف."
صرخ فيهما مورولو
وهو يكافح لمجاراتهما في التسلق: "توقفا عن الشجار! ميستا وجورنو هما
رئيسانا! لسنا مؤهلين للحديث عنهما بهذه الطريقة. يا لقلة الاحترام!"
لم تلتفت
شيلا-إي إلى الوراء. بدلاً من ذلك، أخذت تشم الهواء.
"تلك
الرائحة.."
"ماذا؟"
تمتمت:
"رائحة تشبه القيء. لكن إذا كان حمض المعدة ثقيلاً، متعفن، ولكنه ليس
متخمراً.. يجب أن يكون.." ثم بدأت تجري بسرعة، رقصت قدماها فوق الصخور.
صاح فوغو:
"مهلا!"
صرخت :
"انتظراني في المدينة. عليَّ أن أتحقق من أمر ما!"
لم تتعثر ولو
بخطوة. وبعد لحظة لم تعد في مرمى البصر.
"تتحقق من
ماذا؟"
"لا
أدري."
حدق مورولو
وفوغو مرتبكين في الطريق الذي سلكته.
***
الطرق ضيقة
جداً في المدن التي تقع على جوانب الجرف الصقلي. ، يستقر الناس في الأراضي التي
يمكنهم البناء عليها، حيث تكون التلال شديدة الانحدار، ويستفيدون منها بأكبر قدر
ممكن فتتزاحم المنازل فيها. توجد الكثير من "الطرق" الصغيرة جداً
بالنسبة للسيارات، وبالكاد يستطيع الأشخاص العبور من خلالها دون أن تحتك أكتافهم
بها. وبالمثل، الساحات رفاهية غير موجودة، وتطل جدران المباني على الطريق مباشرة.
إذا نظرت نحو
البحر، لديك إطلالة رائعة، ولكن منظر الأشياء في بقية الاتجاهات سيصيبك بالرهاب من
الأماكن المغلقة.
وهذا التناقض
يقدِّم مصدر اهتمام كبير للسياح، ولكن للسكان المحليين.. حسناً، عليك أن تعيش هناك
لتعرف.
وجدت شيلا إي
نفسها في شارع ضيق مثل هذا. رحل المتقدمون في السن من هذه المنطقة تاركينها دون
سكان، وهُجرت المنازل بينما يحاول المجلس المحلي أن يقرر هل يهدمها أو يحافظ عليها
لقيمتها التاريخية.
كان الرصيف
الحجري مبللا من المطر. جثمت، وأخذت تحدق في بقعة، انحنت واشتمتها.
لم تلمسها.
أبقت عينيها مفتوحتين وأخذت حذرها، لم تقترب أكثر مما تحتاج. فحصتها مرة ثانية،
وثالثة، ثم أومأت برأسها قائلة:
"رجل..
ثمل في أغلب الأوقات، لكنه لا يتعاطى المخدرات. إذن هو ليس عضواً من ذاك
الفريق؟"
كانت حاسة الشم
لديها قوية بما يكفي لتعرف أن من تقيأ ذلك كان تحت تأثير مانيك ديبرشين. لم
تكن هذه قدرة اكتسبتها من الستاند، بل شيئاً ولد معها. شُحذت حاسة شمها منذ أن
كانت طفلة تركض حول الغابة مع كلبها الأليف. كان ذلك الكلب صديقها المفضَّل، حتى
اليوم الذي ضربه فيه بعض المتسكعين المحليين حتى الموت، كانوا يضحكون طوال الوقت.
الغضب الذي شعرت به حينها لم يغادرها قط. لقد كان أحد الأسباب الرئيسة لكرهها
للبشرية. لماذا كانت سريعة في أحكامها. لأن جزءاً منها ظل على قناعة بأن الجميع
مثل الأوغاد الذين قتلوا توتو. حادثة قتل أختها عزَّزت تلك الحالة العقلية فقط.
كانت هناك فرصة ضئيلة لتغييرها من جديد.
"لكن رد
فعله قوي للغاية.. لم يتعاط المخدر بحالته السائلة."
وهي تتمتم
بذلك، حدث شيء غريب للحائط خلفها.
لقد تحرَّك.
السطح المسطَّح الصلب.. تموَّج كسطح بركة.
تحرَّكت الموجة
نحوها، أسفل الجدار، وسارت على الأرض نحو قدميها. ثم خرج شيء من الفجوة بين حجارة
الرصف.
يد. رقيقة مثل
قطعة من الورق.
كانت اليد تمسك
بإبرة ، وكان طرفها على وشك لكز شيلا-إي في ظهرها.
لكنها لم تعد
هناك.
لقد قفزت.
مثل الماعز
الجبلي، ركلت الأرض، دافعة نفسها نحو الحائط، أمسكته بأطراف أصابعها، وتعلقت به
كعنكبوت.
أدركت اليد
المسطحة أنها فشلت وانسحبت.
"كان ذلك.."
كان لدى شيلا
إي فكرة واضحة عن عدوها.
"سوفت
ماشين، قدرته إزالة الكثافة كلِّها من الأشياء. من المفترض أن تكون إلى
جانبنا، ماريو زوكيرو!"
بينما كانت
تتكلم، كانت تدقق النظر في جميع الاتجاهات. تتفقد الشقوق في الرصيف، والثغرات في
الجدار ، كل فجوة ميكروسكوبية قد يختبئ فيها سوفت ماشين. عليها أن تتحرَّك.
"زوكيرو،
لقد أُرسلت لمطاردة فولبي قبلنا. هل خنتنا؟ أو أنهم ملأوك بالمخدرات وحولوك إلى
دمية لهم؟"
ابتعدت شيلا-إي
عن الجدار، وتسلقت عمود إضاءة على سطح مبنى.
ومن هناك
استطاعت رؤية المدينة وطرقها الضيقة.
"فهمت، سوفت
ماشين عديم الفائدة في العراء ، ولكن تاورمينا مليئة بالمخابئ. إنها أرض الصيد
المثالية."
استنشقت
شيلا-إي الهواء، لكن رائحة القيء كانت قوية للغاية، تغطي على رائحة جسم زوكيرو
بالكامل. وكان المطر يغطي على رائحته أيضاً.
وعندما تمطر،
يمكنه الاختباء في الفجوة بين حجارة الرصيف والمياه. هذا الطقس مثالي بالنسبة له.
كانت في ورطة..
لكن ابتسامتها أظهرت خلاف ذلك.
كانت ابتسامة
سخرية.
قالت:
"زوكيرو، أتعرف من أنا؟ لقد عملتَ لصالح فريق في روما، لذا لا بد أنك سمعت
اسم شيلا-إي التي دمرت مؤسسة القمار في ميلانزي، مما سمح لباشوني بالانتقال إلى
أراضيهم.. كان عمري وقتها عشر سنوات فقط. وبسبب ذلك تمَّت ترقيتي إلى فرد من الحرس
الشخصي للرئيس."
لا رد فعل.
واصلت الحديث:
"حرف E في اسمي اختصار لـ Erinni (ايرينيس: إلهة الانتقام الأنثوية في
الأساطير اليونانية). هذا الاسم نذري على ألا أرحم أي عدو. حسناً، زوكيرو؟ هل ما
تزال لديك جرأة لتحدي اسمي؟"
لم تصدر عن
زوكيرو أي ردة فعل مهما حاولت شيلا-إي استفزازه.
كان هناك وميض
في زاوية الجدار.
قفزت شيلا-إي
نحوه.
اندفع فودو
تشايلد نحو الجدار ، وضرب قبضته فيه.
لكنها لم تكن
سوى دفقة من مياه الأمطار. ومع ذلك، من أجل أن تتأكد من أن العدو لن يستغل وضعها
ويهاجم، أطلقت شيلا إي وابلا من الضربات في جميع الاتجاهات. ظهرت التشققات على
الأرض والجدران، لكن زوكيرو لم يظهر في أي مكان. تابعت ضرباتها.
"يريريريريريريريريريريريريريريريريريريريريري!"
وصلت
الاهتزازات إلى حيث اختبأ زوكيرو.. ولكن ذلك لا يهم ما لم تصبه إصابة مباشرة.
كان كل ما يشعر
به هو الحرارة ، كأنه يحترق من الداخل. أجبره الإحساس على البقاء مسطحاً. ومهاجمة
أي شخص يقترب. تم تحويله إلى لغم أرضي. الغرائز والتقنيات التي أتقنها في طريقه من
القاع إلى موقع له بعض المكانة في الغوغاء قد انقلبت عليه. لقد أصبح رجلاً آلياً،
يتبع برنامجاً، لا أقل من ذلك. كان أكثر بقليل من المستشعر الذي يفتح الباب الآلي.
كان صوت
شيلا-إي تتمتم يختلط مع صوت الضربات:
"زوكيرو،
زوكيرو، زوكيرو..!"
بدت غاضبة ،
لكن زوكيرو كان وراء الشعور بهذه الفروق الدقيقة.
توجه ببساطة
نحو الصوت، محاولاً على نحو غريزي الذهاب خلفها. تذكر جسده المسافة الصحيحة
للهجوم. وبدون تفكير واعٍ، طار إلى الأمام، ليثقب ظهرها بإبرة سوفت ماشين..
أو يثقب الهواء
الفارغ.
لقد فشلت غرائز
زوكيرو. وأصابه الذعر لعدم قدرته على تحديد هدفه.
كانت شيلا-إي
موجودة، ولكنها لم تكن كذلك.
أخرج رأسه
المسطح من فجوة الحجارة ليستوعب هذه الحالة غير المفهومة بأم عينه. ولكن الذي رآه
كان..
شفاه؟ فقط..
شفاه؟
شكَّلت الشقوق
التي صنعتها شيلا-إي في الرصيف زوجاً من الشفاه. كانت الشفاه تهتف باسمه.
كانت قوة فودو
تشايلد تكرِّر كلمات شيلا إي. لم تكن تتكلم لتزعجه أو لتشجع نفسها ولكن لتنصب
هذا الفخ.
وبعد لحظة،
انغلقت المصيدة.
تحول الشق الذي
كان يحدق به، وجميع الشقوق حوله، إلى زوج شفاه عملاق.
انفرجت
الشفتان، وعضتاه.
حاول زوكيرو
تخليص جسمه الرقيق من الأسنان، مثل شخص يحاول تمزق كيس من البلاستيك. لم يستطع
التحرك. أخذت الشفاه تنزلق عبر الأرض، وتمدده. كصياد يسلخ جلد حيوان ليصنع منه
سجادة.
قالت شيلا-إي
وهي تمشي نحوه: "اعتقدت أنك ستتمدد أكثر من ذلك."
لقد خططتْ لكل
ذلك، في اللحظة التي اختفى فيها، خمَّنتْ بأنه يستخدم الصوت للتنقل، واستغلت ذلك
لصالحها. خططت لتقبض عليه، لا أن تقتله. فقد كان دليلاً قيماً.
"اعتقدتُ
أنك ستتمدد مثل العلكة، ولكن لم يحصل هذا. أنت مسطح وحسب."
رفرفت شفاه
زوكيرو، لم يكن قادراً على الكلام بوضوح.
"أوه، لا
يمكنك التحدث؟ لا تقلق. أستطيع قراءة الشفاه. قل كل ما تريد قوله. ماذا؟
"عليَّ.. عليَّ.." عليك ماذا؟ تكلَّمْ بوضوح."
أمسكت وجهه
بيديها، وشدته بقوة محاولة الحصول على مظهر أفضل. لم يتغير سلوك زوكيرو على
الإطلاق. استمرت شفتاه بتكرار نفس الشيء.
كانت شفتاه
تتحركان بالكاد، كأنه يهمس لنفسه التعويذة نفسها مراراً وتكراراً. بالكاد استطاعت
شيلا-إي سماعها.
"مم..
عليَّ أن أتحرك، عليَّ أن أتحرك، عليَّ أن أتحرك، عليَّ أن أتحرك..."
عليه أن
يتحرك.. وإلا ماذا؟ قبل أن تكمل السؤال، انكمش جسده ثم تمزق.
تدفقت كل
الدماء في عروقه، وتناثرت في كل الاتجاهات. كانت وظائفه الجسدية نشطة جداً ولم يعد
جسده قادراً على مواجهة ضغط الدم فيه.
قفزت شيلا إي
إلى الوراء. عاد جسد زوكيرو لحاله الطبيعية، لم يعد تأثير سوفت ماشين سارياً بعد
الموت. تدمر كل جزء من جسده، تحولت كل عظمة من عظامه إلى غبار، بحيث بدا جسده أكثر
شبهاً ببطانية رطبة ملفوفة من جسد إنسان.
"يا
إلهي!"
كشرت شيلا-إي،
لم يتم تحويل زوكيرو إلى دمية، لقد قُتل. كان عدوه أقوى منه بكثير.. ولكن هذا
يعني..
"تباً!"
استدارت
شيلا-إي، وركضت عائدة من حيث أتت.
كان زوكيرو
فخاً، كسباً للوقت!
فخ لجذبها
بعيدا عن فوغو ومورولو.
كان الأعداء
بانتظارهم.
اسم
الستاند: فودو تشايلد
اسم
المستخدم: شيلا كابيزوتو (15)
القوة
التدميرية: B
- السرعة: A
- المدى: E
الاستمرارية:
C
- الدقة: B
- التطور: B
القدرة: عندما يلكم شيئاً تنمو شفاه عليه، وتكرِّر الشفاه الكلمات التي قيلت سراً بالقرب من المكان. كلمات يعتقد قائلها بأنها ستجعله أقلَّ قوة في نظر الآخرين. أو تلطِّخ سمعته. البشر جميعهم يخفون شيئاً، وفودو تشايلد يكشف تلك الأشياء. ستاند قريب المدى، يمكنه أيضاً أن يلكم الناس مخرجاً شفاهاً تفضح أعمق سرِّ للشخص مما يتسبب له بالموت من الصدمة.