الفصل السادس: خيالات صقلية


كان يسمع أحدهم يغني.

لا.. لالا... لالالا.. لالا لا...

كانت صدى الأغنية يتردَّدُ في أذنه من دون توقُّف، ولكن بصوت خافت، كهمسة ناعمة تعبر عبر الرياح. لم يعرف منذ متى كان يستمع إليها.

"هه؟"

رفع فوغو رأسه.

ووجد نفسه في غرفة اصطُفَّتْ فيها أرفف كتب محشوة بالكتب القديمة.

غرفة صف. في جامعة بولونيا.

وكان أمامه أستاذ غاضب يوبِّخه قائلاً:

"ما الذي تفكِّر فيه؟ هل تعتقد أنَّك ستنجو بإهمالك المواد الأساسية؟ لا تنظر بعيداً! أنا أتحدث إليك!"

نظر فوغو إليه مباشرة، أومأ الأستاذ وأكمل:

"أتوقع منك المزيد يا فوغو. لديك عادة سيئة، فأنت تتصرف وكأنك هنا فقط لأنَّ والديك جعلا ذلك يحدث. لكن والديك ليسا أنت، وأنت لست والديك. أنت لا تتعلَّم لتحسين وضع والديك، ولكن لتوسيع إمكانياتك."

فُتح الباب، ودخل مساعد الأستاذ.

"لدي بعض الأخبار السيئة يا فوغو. جدتك انهارت. يجب أن تذهب إليها."

ساعده الأستاذ بالحصول على تذكرة لقطار سريع، وكان في المنزل قبل انتهاء اليوم.

"أوه.. يا باني الصغير. أشعر بتحسن كبير بوجودك هنا."

تعافت جدته بالكامل. وارتاح قلب فوغو. جاء جمع أفراد العائلة لعيادتها، وبدا الجميع سعداء جداً عند رؤيتهم لها بصحة جيدة مجددً. كان فوغو سعيداً جداً. اتضحَّ بأنهم عائلة حقيقة بعد كلِّ شيء، لقد كانوا حقاً يحبُّون بعضهم بعضاً.

كانت العطلات المدرسية قريبة، ووافقت الجامعة على أن يبقى في المنزل بشرط أن يرسل واجباته بانتظام. نفَّذ لذلك، وذهب للصيد مع أخويه.

عندما وصلوا إلى الميناء، وجدوا قارب الصيد الذي حجزوه معطَّلاً وعالقاً في الميناء. وبينما كانوا يحاولون معرفة ما يجدر فعله، عرض عليهم ربَّان آخر الصعود على قاربه. لكن زبائنه الذين كانوا قد حجزوه اعترضوا على ذلك قائلين:

"طلبنا منك ألاَّ تحضر أشخاصاً آخرين!"

"يوجد متَّسع للجميع."

"بل لا يوجد! نفِّذ ما أقول!"

"حسناً، انزل إذن. عندما تكون سفينة أخرى في مشكلة، علينا أن نقدِّم المساعدة. هذا هو قانون البحار."

"ماذا؟"

لاحظ الزبون الوقح تجمُّع الحشود حولهم، فاستسلم وأخذ يتذمر بينه وبين نفسه. استدعى الربَّان فوغو وأخويه إلى متن القارب.

"سيسعد ابني بمساعدتكم يا أطفال. برونو!"

"نعم يا أبي؟"

خرج فتى نشيط من المقصورة.

 

لالا ليلا ريلالالا لا...

 

كان اسم الفتى برونو بوتشالاتي. كان أكبر من فوغو بحوالي ثلاث سنوات.

"أنت تذهب إلى الكلية؟ مذهل."

"ليس بالأمر الجلل."

"أحاول أن أعلِّم نفسي عن طريق قراءة الكتب، لكن العملية تجري ببطء."

"ماذا تقرأ؟"

"مكيافيلي."

"الامير؟"

"أعتقد بأنَّك قد قرأته. أليس كذلك؟ أنا مهتمُّ جداً بالتاريخ. أعرف أنه مستوحى من شخصية «تشيزري بورجا»، لكني لا أعتقد أن مكيافيلي كان نفعياً كما يصورونه لنا. بل كان أقرب إلى مفكِّر واقعي. لقد حذَّر الناس من الإفراط في التفكير، ونصحهم بأن يفعلوا ما بوسعهم أن يصلوا إليه."

"هذه نظرية متكاملة."

"ليس ما توقعته من ابن صياد؟"

"لم أتوقع ذلك بالضبط، لكنَّه لا يبدو غريباً عندما يصدر منك."

"إذا نظرنا للأمور على هذا النحو، فأنت لا تتصرَّف كالنبلاء الأثرياء. فأنت لست متغطرساً على الإطلاق."

"أجل..."

"هذا ليس أمراً سيئاً!"

"هل يمكنني طلب نصيحتك في أمر ما؟"

كان شيء في ذلك الفتى يريح فوغو، ووجد نفسه يشاركه مشكلاته كلَّها. وأصغى بوتشالاتي باهتمام.

أصبحا أقرب، ثم صارا صديقين متلازمين. كلَّما عاد فوغو من الجامعة ذهب لزيارة بوتشالاتي.

وذات يوم جاء والد بوتشالاتي إلى فوغو.

"رجال الشرطة يستجوبونني في الآونة الأخيرة. يظنُّون بأنَّني متورِّط في أمور المخدرات، بطريقة أو بأخرى."

"كيف؟"

"لا أريد أن أقول أشياء سيئة عن الربابنة الآخرين، لكن بعضاً من قوارب الصيد تساعد في تهريبها. هل يجب أن أشارك ما أعرفه مع رجال الشرطة؟"

"يبدو الأمر محفوفًا بالمخاطر بالنسبة لي. إذا اكتشف الغوغاء بأنَّك وشيت بهم فسيتسببون لك بالمتاعب."

"وهذا ما يقوله ابني. أنت تعرف الكثير عن القوانين وما شابهها، أليس كذلك؟ هل يمكنك مساعدته؟"

"سأفعل ما بوسعي."

 

ليلالا لالا، لالاليلي لالا...

 

بهذه الطريقة وجد فوغو نفسه يقترب من العالم السفلي. لطالما كان بوتشالاتي محبوباً، وسرعان ما اجتذب الآخرين إلى جانبه. أنقذ فتى يدعى نارانشا من أن يزجَّ به في السجن لجريمة اتُّهم بها ظلماً، وأقنع شرطياً يُدعى أباكيو بأن من الأفضل له البقاء نظيفاً وعدم قبول الرشاوى. وانضما كلاهما إلى المجموعة.

أصبحوا فريقاً نوعاً ما، يعرفهم الجميع، ولم يكونوا جزءاً من أية منظمة، فوثق بهم سكان المدينة تماماً. وقرر أفراد العصابات أنَّه من الأسهل تركهم وشأنهم.

قال نارانشا: "فوغو، عليك أن تتحلى بروح المغامرة."

ضحك ميستا قائلاً: "انظروا من يتكلم! أنت لا تتذوق أي طعام تعتقد بأنَّك لا تحبُّه. خرجنا أمس لتناول المأكولات البحرية، ولكنَّك لم تأكل سوى الفاكهة!"

"اصمت! أحبُّ الفاكهة."

"كونك آكلاً صعب الإرضاء علامة على أنك ما زلت طفلاً."

"أنا لست طفلا!"

سوَّى أباكيو زيه وقال: "عليك أن تأكل أكثر يا نارانشا. أنت نحيف جداً. تناول المعكرونة أو البيتزا أو أيا كان، كلْ أكثر وحسب! وتوقف عن طلب الجبن والفطر، أنت بحاجة لتناول بعض الحم! لحم البقر أو لحم الخنزير! سيساعدك على النمو!"

"انظر، أنا لست صغيراً. أنت فقط طويل لدرجة غبية يا أباكيو. ومخيف."

"أنا شرطي."

"ليس كثيراً! فأنت تتهرب من العمل دائماً وتتسكع معنا! إذا أمضيت كلَّ وقتك هنا فلن يرقوُّك أبداً."

"وكأنني أريد ترقيتهم؟ يحصل المرء على ترقية بناء على درجاته في الاختبارات، وتلك الاختبارات متلاعب بها. أنجزُ أكثر بكثير عندما أساعد بوتشالاتي. وجودي هنا أفضل من القيام بدورية."

"الاختبارات؟ هل تسخر من  فوغو؟"

"درجاتك هي الأعلى في كل الاختبارات، أليس كذلك؟"

"أنا أدرس بجد فقط لأن ذلك يساعد بوتشالاتي. متى سخر منه الناس لعدم ذهابه إلى المدرسة، يمكنه القول بأنني الأول في صفي في جامعة بولونيا."

"أنت تفسد كل شيء."

"نارانشا ، أنت الأول في صفك أيضاً، أليس كذلك؟"

"نعم، إذا عددنا من الأسفل إلى الأعلى."

"مهلاً!"

"لا، بجدية، سمعتُ بأنك حصلت على جائزة في العمل التطوعيِّ. رأيتُ الخبرَ في الصحف."

"لم يكن ذلك مقصوداً!"

محادثة عادية، وعشاء يومي.

ولكن لماذا يشعر المرء بأنها قيِّمة جداً؟

هل لأنَّ الناس الذين تمتلئ حياتهم على هذا النحو يمكنهم هم فقط تجربة هذه السعادة؟ شعر فوغو بالامتنان لأنهم جميعهم قد اتخذوا الخيارات الصحيحة.

عندما ضحك الجميع، خرج  بوتشالاتي من غرفته.

"أوه، الجميع هنا."

"ما الأمر يا بوتشالاتي؟ لماذا استدعيتنا جميعنا إلى هنا؟"

قال بوتشالاتي: "حسناً. هناك شخص أود أن تقابلوه جميعكم".

فَتَحَ الباب ، وأومأ لهم بأن يدخلوا.

لقد كانت فتاة. كانت هناك قوة في تقاطيع وجهها، ولكن ابتسامة ارتسمت على شفتيها.

"لقد كانت تساعدني في الآونة الأخيرة."

"يسعدني لقاؤكم. اسمي تريش أونا."

نظرت إلى كلِّ واحد منهم، وأحنت رأسها.

"تريش... ابنة رئيس مؤسسة باشوني؟"

"إذا كنتم قد سمعتم عنها، فلا داعي للشرح. سوف نعمل مع المؤسسة."

قال نارانشا وقد التمعت عيناه: "أتعني...؟"

وضع أباكيو يده على فم نارانشا كي لا يقول المزيد.

"لا تتحدَّث من دون تفكير أمام الغرباء."

"لقد أخبرني بوتشالاتي الكثير عنكم. وقال إنَّه يثق بكم جميعاً."

تناولت تريش سلة من وراء ظهرها.

"كعربون لتعارفنا، خبزت كعكة للجميع."

أمسك نارانشا القطعة الأولى بحماس. وتبعه أباكيو وفوغو.

قال ميستا: "أوه، هذا يبدو جيداً"، وتقدَّم ليأخذ قطعة.

هه؟

حدَّق به فوغو.

"ميستا...؟"

"ماذا؟"

"أنت قد... هل أنت متأكد من أن هذا لا يزعجك؟"

"لماذا سيزعجني؟"

"ولكنك... كنت رابع شخص يأخذ قطعة من الكعكة. أنت دائما تتجنب الرقم أربعة."

اختفت التعابير من وجه ميستا. بدا وكأنه دمية.

التفت فوغو ونظر. كان نارانشا و أباكيو قد تحولا إلى دمى كذلك. كانوا قشوراً فارغة، لا حياة فيها، تجلس متجمدة بوضعية واحدة.

"ماذا...؟"

قال بوتشالاتي بهدوء: "أنت مسجون." لكن الصوت لم يكن صوت بوتشالاتي. كان صوت رجل عجوز.

"أنت... فلاديمير كوكاكي؟"

"أنت في حلم. حلم لن تستيقظ منه أبداً."

أخذت التجاعيد تظهر على وجه بوتشالاتي. كان يشيخ بسرعة.

حاول فوغو الاقتراب منه، لكن بوتشالاتي كان يبتعد بسرعة. انزلقت الكعكة من بين أصابع فوغو، وعندما لمست الأرضية تحطَّمت الأرض تحت قدميه مثل الزجاج، وسقط... في اللاشيء.

سمع كوكاكي يقول ضاحكاً: "لن تهرب أبدا. ستسقط الى الابد".

ومن بعيد، استمر الغناء.

 

لالالا ، ليلالا ، ليليلالالا.....

 

كانت الأغنية قريبة من أغنية Vitti 'na Crozza (رأيت جمجمة)، ولكنها تُغنَّى على نحو رديء. لم يعرف فوغو صاحب الصوت. وتردَّد صدى ضحكة كوكاكي الحادة، كأنها تحاول التغطية على الأغنية، والإحاطة به.

هل ما زلت... هل كنت واقعاً تحت تأثيره طوال الوقت؟ منذ ذلك الحين في مسرح تياترو غريكو؟

هل تخيَّلتُ هزيمته وحسب؟ إذا كان هذا صحيحا، فقد قضي عليه. لا مهرب له. ولكن..

لا! هذا ليس صحيحاً!

ركَّز فوغو على شعوره بالسقوط. لم يكن يسقط وحسب، كان يدور. أي أنه كان يسقط وهو يدور. كان ذلك مختلفاً، لم يكن نفس الإحساس الذي كان كوكاكي قد حبسه فيه. استطاع الشعور بالفرق بينهما.

إذن فأنا...!

لقد كان يسقط في الحقيقة. وكذلك كانت دمى أصدقائه. وتريش أيضاً.

لا شكَّ بأنها...

اقترب فوغو منها وهو يسقط. تصرَّف كما شاهد في مقاطع فيديو هواة القفز بالمظلات. ثمَّ أمسك خدها بين أصابعه، وقرصه بقوة.

***

أيقظ شيلا-إي شعور بالألم في خدها..

كانت المروحية خارجة عن السيطرة ، تهبط نحو الأرض بحركة لولبية.

كان فوغو في المقعد المجاور لها، ذراعه ممدودة لتقرص خدها. لم يكن التنبيه من في الخارج كافيا لإيقاظه. كان يقوم بذلك وهو نائم.

"تـ.. تباً!"

اندفعت شيلا-إي إلى الأمام وهي تحرِّر خدها من قبضة فوغو، ونظرت إلى قمرة القيادة.

كان الأوان قد فات.

كان الطيار قد عضَّ لسانه ومات. أيا كان الوهم الذي رآه فقد كان مرعباً لدرجة أنَّه قتل نفسه ليهرب منه من دون أن يستيقظ حتى.

كان الزبد يخرج من فم مورولو وعيناه جاحظتين.

لا وقت!

كانوا يهوون نحو البحر.

انحنت إلى الأمام ، وأمسكت بعصا القيادة، وجذبتها، ولكن المروحية تحركت بالكاد، لم تكن هناك طريقة لإنقاذ المروحية.

"تباً!"

استدعت فودو تشايلد، وباستعماله أخرجت فوغو من المروحية.

انكسر باب المروحية وطار، ثم لحق به فوغو. وارتطما في البحر. كانت المسافة ما تزال مرتفعة للغاية.

إذا استيقظ، فمن المحتمل أن ينجو، وإذا لم يستيقظ.. رمت شيلا-إي بنفسها بعده.

بالكاد نجحت. بعد لحظة ارتطمت الطائرة بالماء وتهشمت. وبعد ذلك بقليل سمعت المحرك ينفجر.

تناثرت المياه في الهواء.

جاهدت شيلا-إي لإبقاء رأسها فوق السطح، ولهثت طلباً للهواء.

نظرت حولها متسائلة: "فـ.. فوغو؟"

كان يطفو في مكان قريب. مستيقظ؟ نائم؟ حاولت السباحة تجاهه، لكنه كان عالقاً في تيار سريع، وكان ينجرف بسرعة بعيدا عنها.

سرَّعت شيلا-إي سباحتها. بإمكانها السباحة في أسرع الأنهار بكل سهولة. قالت لنفسها: "يمكنكِ فعل ذلك". ركَّزت، وحافظت على انتظام حركاتها، وسبحت بأسرع ما أمكنها. وأخيرا قبضت عليه.

أمسكت ياقته وسحبته حيث بعض الصخور القريبة.

كان قلبه ينبض، لكنَّه لم يكن يتنفس. جرَّبت الإنعاش القلبي الرئوي. وفي المحاولة الرابعة، سعل وبصق الماء وأخذ يتنفس من جديد. فتح عينه وقال:

"أوه.. هل نجونا؟"

نظر حوله.

"مورولو والطيار؟"

هزت رأسها. صرَّ فوغو أسنانه وتأوه. هز رأسه مرتين، ثم ثلاث مرات، وأجبر نفسه على وضع المشاعر جانباً.

قالت شيلا-إي: "ماذا الان؟ هل نطلب المساعدة وننتظر وصولها؟"

هز فوغو رأسه.

"لا وقت. إذا هاجمونا هجوماً كهذا، ثم.."

"أتقصد.. قال مورولو بأنَّهم في جزيرة أورتيجيا. إذا كانوا هناك لسبب ما، فربما لديهم سبب لإبعادنا.."

أومأ فوغو.

"بالضبط. إذا علموا بأننا سنصل إلى هناك أولاً، فكل ما كان عليهم فعله هو الذهاب إلى مكان آخر."

" كان كوكاكي من صقلية. لقد أخفى شيئا في أورتيجيا، أو كان يعلم بخصوص شيء مخفي هناك.. شيء أعداؤنا مستميتون للحصول عليه."

كان الضوء يتلاشى من السماء. لقد حلَّ الليل تقريباً.

***

"حسناً! تم إسقاط المروحية!"

رفع فيتوريو قبضته في الهواء.

قال فولبي: "لم يموتوا جميعهم. لقد تناثرت المياه على نحو فوضوي. وفُتح الباب قبل أن يتحطَّم، وقفز منه أحدهم."

أومأت أنجيلكا قائلة: "يحلِّق نايت بيرد فلاينغ على مدى طويل. ويفعل ما يريد، لذلك لا أعرف ما حدث بالضبط، ولكني شعرت بموت واحد أو اثنين منهم فقط. بالتأكيد نجا واحد منهم على الأقل."

"لنفترض أنهما اثنان: فوغو، وشيلا-إي."

قال فيتوريو: "لكن ذلك أبطأهم. هذا كافٍ. سأقضي على البقية." وصفع يديه ببعضهما.

صرخ فولبي: "انتظر! عليك الذهاب إلى ذلك الموقع. حالاً."

"إيه؟ لماذا؟"

"قد نكون أبطأناهم، لكن باشوني تعرف الآن بأننا نبحث عن شيء. على أحدنا أن يضع يديه على القناع قبل أن يجدوه. ومن بيننا نحن الثلاثة، أنت تعمل على نحو أفضل لوحدك، لديك أقوى دفاع. سننتظر هنا وننصب لهم فخاً."

"دعني أفعل ذلك، بينما أنتما.."

قالت أنجيلكا: "لا يا فيتوريو. لا يمكنني التحرك بسرعة."

كشَّر فيتوريو. كانت ضعيفة وغير قادرة على الهرب أو القتال. كان مدركاً ذلك.

لا يستطع فولبي تركها، عليه أن يراقبها جيداً تحسُّباً لتدهور صحتها. يجب أن يكون فيتوريو من سيذهب.

قالت وهي تضع يديها على خديه: "لا تقلق يا فيتوريو. نحن نعلِّق آمالنا عليك. أنت قوي. متأكدة من أنك تستطيع فعل ذلك." وقرَّبت وجهه منها وقبلته.

بدت كأم تتحدث إلى طفل بكاء.

أومأ فيتوريو.

"أجل، إذا تحركت بسرعة كافية، فلن تكونا في خطر. لكن يا فولبي، استمرا بالتراجع أثناء الانتظار."

"كي نلتقي بأسرع وقت بمجرد العثور عليه؟ أعرف ذلك."

"صحيح! هيا بنا!"

وخرج راكضاً.

***

وجد فوغو وشيلا-إي موقفاً للسيارات بالقرب من الساحل وسرقا سيارة متوجهين نحو جزيرة أورتيجيا.

تولَّت شيلا-إي القيادة. فقد كان فوغو يعاني ألماً حاد في جانبه. فقد كُسرت بعض من أضلاعه جراء السقطة.

"عن ماذا يبحثون؟ عن معلومات؟ أم عن شيء مادي؟"

حاول فوغو التفكير، لكنَّه كان يعلم جيداً بأنه لن يجد جواباً.

إذا كان ما يبحثون عنه شيئاً يشبه السلحفاة التي أعطاها ديافولو لبوتشالاتي، فسينتهي أمرهم، لن يجدوهم أبداً. فمن بدون بطاقات مورولو، ليس لديهم ما يقودهم إليهم.

أي شيء إلا هذا.. سأثبت أنني عديم الفائدة. لن يعطوني فرصة أخرى. سوف يقتلني ميستا.

لا شكَّ بأن لدى باشوني قتلة آخرون يرسلونهم في إثر هؤلاء. لكن هذه كانت هذه فرصته الأخيرة. الفشل ليس خياراً مطروحاً. كان هذا السبب الحقيقي لرفضه طلب المساعدة. لقد قال سبباً بدا مقنعاً، لكن الحقيقة كانت، أنه كان خائفاً وحسب.

أي دعم سيرسلونه سيأتي مع أوامر بقتلي. هذا ليس عالماً يعيش فيه غير الأكفاء. لا استثناءات.

شيلا-إي ستكون بخير. ليس لديها إخفاقات سابقة. ولم تخن أحداً، ولم تهرب من مواجهة الخطر. لقد وثق ميستا بها. وستحصل على مكانة جيدة لمطاردتها فولبي. سيكون ذلك كافياً لإنقاذها، وإذا لعبت أوراقها بشكل صحيح، فربما حصلت على ترقية. سيلقى كل اللوم على فوغو، وسيذهب كل المديح إليها.

تباً! عليَّ إيقافهم. لكن ماذا لو لم أستطع؟

لم تكن هناك جدوى من التفكير في ذلك، لكنَّه فكَّر به على كل حال. هل يستطيع الهرب منهم؟ لقد هرب من ديافولو على الرغم من أنه أدرك بأنه لا يستطيع الهرب.. لكن جورنو جوفانا هزم ديافولو. هل يستطيع الهرب منه؟

لقد قتلتُ كوكاكي. لا يمكنني التبديل والانضمام إلى فريق فولبي الآن.. لا، لا، لا، لا، لا، لا، لا، لا! لماذا أفكر بهذا حتى!؟ هذا غباء. إنه نفس ما قمت به في المرة السابقة: التفكير كثيراً.. لهذا لم أستطع ركوب القارب!

فاجأته الفكرة.

لم يستطع ركوب القارب.

ليس "لم يركب" بل "لم يستطع."

أكان ذلك صحيحا؟ هل أراد ركوبه حقاً؟ هل أراد الذهاب مع الآخرين؟ عميقاً في الاسفل؟

لكن إذا كان ذلك صحيحاً...

لم يكن هذا من طبعه. كان بوتشالاتي يعتمد عليه ليحافظ على هدوئه، ويختار الخيار المنطقي، ويقلل من الخسائر.

لا، مهلاً.. مهلاً..

كانت العجلات تدور الآن. لماذا لم يستطع ركوب القارب؟ لأن أحداً لم يتوقع منه ذلك. من الذي  لم يتوقع ذلك منه؟ بوتشالاتي. لكن بوتشالاتي قال لهم بأن ينطلقوا بالقارب..

لا، لم يقل ذلك.

"لن أطلب منكم أن تأتوا معي. لن أتمنى ذلك حتى."

كانت تلك كلماته. لهذا توسل إليه نارانشا ليأمره بركوب القارب.

إذن أنا.. تصرَّفت وفقاً لكلامه؟ وبما أنه لم يكن أمراً، أنا..

بدون أوامر مباشرة، كان المتوقع أن يختار الخيار الأقل خطورة. وألاَّ يتخذ أي إجراء غير ضروري حتى تتاح له فرصة أخرى أكثر وضوحاً. أكان هذا سبب تجمُّده في تلك البقعة؟

شعر بأنه اتخذ قراره بنفسه، لكن ألم يكن يطيع على نحو آلي ذلك "المنطق السليم" الذي حُفر في رأسه منذ ولادته؟

أنا..

وجد فوغو نفسه يمسك بكتفيه ويرتجف مثل ورقة شجر. كان شاحباً، وكانت أسنانه تصطك.

نظرت شيلا-إي إليه.

"هل أنت خائف؟"

رفع فوغو رأسه متفاجأً.

"هه ؟"

"هل أنت خائف من فولبي؟"

"لا، أنا.. إممـ.."

قالت بهدوء: "في الحقيقة.. أنا لست خائفة منهم."

لم يكن فوغو يتوقع ذلك.

لم تبدُ واثقة، بل غير مكترثة.

أضافت: "أنا خائفة مما قد يحدث بعد ذلك."

سأل فوغو: "بعد؟"، وحدَّق في يديه.

لم تجب.

بدلاً من ذلك، سألت: "لقد كنت أنت، أليس كذلك؟"

"هه ؟"

"أنت قتله، أليس كذلك؟ الشخص الذي قتل أختي، إليوسو. لقد قتلته باستعمال بيربل هيز."

"..."

"عرفتُ ذلك عندما رأيت كوكاكى يموت، إنها مثلما قال جورنو: أسوأ طريقة للموت بإمكاني تخيلها. أكثر طريقة مؤلمة ورهيبة للموت. كان جسده يتحلل ويذوب. صحيح أنه مات لحظة انكسرت رقبته، لكن لا شك بأن بضع ثوان تبقت له من الوعي كانت مؤلمة بما يكفي لجعله يندم على لحظة ولادته."

"..."

"أعرف أنك لم تكن تحاول معاقبة إليوسو. لكنك فعلت ذلك. وأنا مدينة لك ولجورنو أكثر مما تساويه حياتي. أنا مدركة لذلك. ولكن.."

ارتسم تعبير مؤلم على وجهها.

"لقد أخافتني رؤيتك تقتل كوكاكي.. كل ما أمكنني فعله كان الوقوف هناك والمشاهدة. لقد تجاوز ذلك حدود تحمُّلي. الحقيقة أن.." تنهدت شيلا إي وأكملت: "اعتقدت بأنه كان على حق. اتفقت مع أشياء كان يقولها. وأدركت بأنني لن أستطيع هزيمته أبداً."

"كانت تلك قدرة الستاند الخاص به."

"لا. لم تكن كذلك. لقد عملتْ قدرته عليَّ فقط لأن تلك الفكرة أقنعتني. لا أستطيع محاربة شخص إذا اعتقدتُ بأنه على "صواب" أكثر مني. هذه هي حدودي. لكن هناك أشياء كثيرة في هذا العالم لا يمكن تصنيفها كصواب أو كخطأ. لو وقعتُ في موقف علي الاختيار فيه بين خيانة أحدهم أو عدم خيانته، لا أعتقد أنني سأستطيع الاستمرار."

فتح فوغو عينيه تماماً.

"ماذا؟ ماذا قلت؟"

تجاهلته.

"هذه اللحظة ستأتي. لقد نذرتُ حياتي كلَّها من أجل جورنو. أؤمن بأنه أكثر "صواباً" من أي أحد. لكني سأواجه تلك اللحظة يوماً ما. ولن أستطيع فعل ذلك. لن أكون قادرة على العبور. وسيكون كلُّ ما يمكنني فعله الهرب منه."

بدت على وشك البكاء.

قال فوغو: "شيلا-إي.. أنتِ.."

لكن قبل أن يكمل.. انعطفت السيارة التي كانت أمامهما فجأة.

لم يحاول السائق كبح حركتها بالفرامل حتى، وطار مباشرة من حافة الجرف إلى البحر.

من الواضح أنه لم يكن حادثاً. وليست تلك السيارة وحدها، أخذت السيارات واحدة تلو الأخرى تحلق نحو البحر، أو تصطدم بجدار.

فجأة انحرفت السيارة التي كانت تقودها شيلا-إي. كانت سيارة تصدمها من الخلف، ثم توجهَّت نحو جدار وانفجرت.

تبعتهما سيارات أخرى. وأخذت تتصادم مع سيارتهما. درات سيارات في المقدمة على شكل حرف U واتجهت نحوهما، وخدشت جوانب السيارة التي كانت شيلا-إي تحاول جاهدة الانعطاف بها. ازدادت الخدوش والكسور على السيارة التي تحاول الخروج من عاصفة الاصطدامات العجيبة.

كأن كل سائق في المنطقة قد فقد عقله. لا، ليس "كأن"، لقد فقدوا عقولهم.

"هذه فعلتهم!"

لا شكَّ بأنَّه ستاند "نايت بيرد فلاينغ" العائد لأنجيلكا أتاناسيو. هل عثر عليهما؟ لا، لكن التأثير يغطي مساحة كبيرة جداً وعلى نحو عشوائي جداً. لم يكن مركزاً عليهما على الإطلاق.

إنها على استعداد للقضاء على جميع سكان المدينة معنا! لا يهمها موت مئات الناس طالما أنه سيبطئ من تقدمنا.

أفزع فوغو ذلك الظلام العميق في ذهن عدوه.

قالت شيلا إي: "لا شكَّ بأن قوة العدو يجب تؤثر علينا نحن أيضاً، كلانا أصيب في حادثة تحطم المروحية. هرمون الاندورفين الذي يتدفق في دماغينا إما يبطئ التأثير أو يقاومه في الوقت الحالي، ولكن في كلتا الحالتين.. إنَّها مسألة وقت فقط."

حثَّ فوغو الإصابة في جانبه. تألم، لكن شعوره بالألم كان علامة جيدة.

قال: "إذا توقفنا عن الشعور بالألم فسنكون في مشكلة. إذن.. ماذا سنفعل؟ كلما اقتربنا من أورتيجيا، سنجد عددا أقلَّ من العقلاء. سيكونون قادرين على القبض علينا بسهولة.. لكنِّي أعتقد أنَّه ليس لدينا خيار. علينا أن نتصرف بسرعة ونهاجم."

داست شيلا إي على الفرامل.

توقفت السيارة بقوة حتى كاد فوغو يصيب رأسه من الاندفاع. ثمَّ فُتح باب السيارة.

وقف فودو تشايلد في الخارج، ممسكاً الباب المفتوح. أمسك فوغو من ياقته وألقاه على الطريق.

وقف فوغو على قدميه. ولكن باب السيارة أُغلق بقوة.

"مـ.. مهلا! شيلا-أي؟"

"لا يمكنني فعل ذلك. الباقي متروك لك. افعل ما بوسعك من أجل جورنو، حتى لو لم يكن "صواباً."

قالت ذلك، وابتعدت السيارة.

نحو أورتيجيا.

"لـ.. لا! شيلا-إي.. هل تحاولين القيام بعملية انتحارية؟"

***

تقع مدينة سيراكيوز «سرقوسة» على رأس جزيرة أورتيجيا.

أنشأها الإغريق، ثم غزاها الرومان.

وصفها الكاتب الروماني «شيشرون» فيما مضى قائلاً:

"الحق يُقال إن سيراكيوز هي أكبر وأجمل المدن اليونانية. تقع على حصن طبيعي يشرف على إطلالة كبيرة تسمح برؤية الأعداء المقتربين من الأرض أو البحر، مع ما لا يقل عن اثنين من الموانئ. قلب المدينة عبارة عن جزيرة مقتطعة من البر الصقلي وتتصل به عبر الجسور."

في عصرها الذهبي ، كان عدد السكان أكثر من مليون نسمة، ولكن سيراكيوز الحديثة أصبحت مدينة هادئة بعدد سكان يزيد قليلاً عن مائة ألف نسمة. جزيرة أورتيجيا جميلة مثل أي وقت مضى. إنها جزيرة صغيرة، إذ يبلغ محيطها أقل من أربعة كيلومترات، وهي موطن معالم تاريخية عدة، من العصر الروماني وعصر الباروك، تقف منتصبة بجوار الفنادق الحديثة.

مع حلول الليل، تضيء السماء الحمراء ومصابيح الشوارع البلدة على نحو لا مثيل له على وجه الأرض.

كان فيتوريو كاتالدي يركض عبر هذه الشوارع.

إذا سلكت الطريق مروراً بساحة فيا ديلا مايسترانزا، وتجاوزت الحديقة  وبضعة مبانٍ ، سأرى كاتدرائية (كنيسة) جنوباً.

كان يتحرك بسرعة. لا أحد يقف في طريقه، لا شيء يبطئ من سرعته. فقد كان جميع من المدينة تحت تأثير ستاند أنجيلكا.

كانوا يمشون مذهولين في الشوارع، لا بريق في أعينهم، يسيل اللعاب حتى أسفل الذقن. الأغنياء والفقراء والشرطة واللصوص والرجال والنساء والأطفال والشيوخ على حد سواء، كانت عقولهم أبعد عن الاهتمام بفيتوريو عندما كان يدفعهم بعيداً ليمضي في طريقه. لم يلاحظوه قط. لم يروا شيئاً، ولم يشعروا بشيء، كانوا محاصرين في وهم صنعته عقولهم، غير قادرين على إدراك العالم حولهم.

كأن المدينة قد اجتاحها الزومبي، وكان فيتوريو ينزلق عبر الحشد.

أحسنتِ يا أنجيلكا. لقد قمتِ بعملك جيداً. والباقي عليَّ أنا الآن.

عندما تجاوز الطريق الساحلي متوجها نحو ساحة ديلا مايسترانزا، ألقت الأمواج خلفه شيئاً.

كانت قبعة بورسالينو، مبللة بعد ساعات من الانجراف في التيارات، لكنها كانت مصنوعة بإتقان فظلت محافظة على تماسكها. كانت مثل القبعات التي يرتديها جيمس كاغني James Cagney أو همفري بوغارت Humphrey Bogart في فيلم عصابات من الثلاثينيات، أي أنها لم تكن قبعة قد يرتديها رجل عادي.

حاولت الموجة التالية سحب القبعة إلى البحر.. لكن يداً امتدت والتقطتها.

بكل سهولة، وضع الرجل القبعة على رأسه، غير مكترث بمقدار تبللها.

ثم استدار وتوجه نحو الطريق الذي سلكه فيتوريو.

كان بالإمكان سماع صوت خطواته بجوربه المبلل في هدوء الليل.

***

".. يبدو أن دوري قد حان."

استشعر ماسيمو فولبي الجاثم في الظلام اقتراب أعدائه. فنهض للقائهم.

وخلفه، كانت أنجيلكا تحدق في السماء، بنظرة شاردة، كان الستاند الخاص بها نشطاً، لكن عقلها لم يبدُ مرتبطاً به على الإطلاق. فحص فولبي نبضها.

"ستكونين بخير يا أنجيلكا. أبقي هنا وأنا سأذهب."

لم تبد أي علامات على أنها سمعت، لكن فولبي لم يحاول مرة أخرى. استدار وغادر الغرفة.

كانت أصداء انفجارات وارتطام للمعادن تدوي من بعيد بين الفينة والأخرى، ولكن تعبيرها لم يتغير.

وأخيراً، حلَّق طائر صغير عائداً إليها وهو يزقزق، وحطَّ على إصبعها، رفعت منقاره الصغير إلى أذنها. تحدث بصوت يشبه رنين جرس صغير.

سرت الحياة في وجهها الشاحب. واشتعلت نيران مظلمة في عينيها.

"..ستدفع مقابل هذا يا فوغو. ستدفع!"

تمتمت بذلك وحاولت الوقوف، لكنها ترنحت، لم تدعمها ساقاها. فكانت مجبرة على الاتكاء على الجدار للحصول على الدعم، وخرجت من الغرفة المظلمة نصف زاحفة.

***

كانت شيلا-إي تقود.

كانت السيارة التي تقودها الوحيدة التي ما تزال تتحرك. إذا كنت تريد الوصول إلى أورتيجيا في بسرعة، فتوجد طريقة واحدة فقط. توجه أسفل كورسو أمبرتو الأول إلى فيا مالطا نحو الجسر الحجري.

في نهاية الجسر وقف رجل يسد طريقها.

ماسيمو فولبي.

صوَّبت نظرتها الحادة نحوه، والتقت نظراتهما، لم يُظهر أية علامة على التردد. ولا هي. كلاهما وضع حياته على المحك.

زمجرت، ووجهت السيارة نحوه تماماً.

ستاند فولبي يصنع المخدرات. الستاند نفسه ليس كذلك قوياً. ما عليَّ سوى دهسه!

تقدمت شيلا إي للأمام، متوجهة نحو هدفها بمسار مستقيم.

لم يبذل فولبي أي جهد ليتفاداها. ارتسمت ابتسامة على شفتيه.

ظهر الستاند الخاص به أمامه.

كان مانيك ديبرشن هزيلاً وقصيراً، كمومياء لرضيع مصاب بسوء التغذية، كان قوامه العظمي ملفوفاً بالضمادات. وفي مقدمة وجهه الشبيه بالجمجمة ثقبان في مكان العينين، لم يبدُ قوياً جسدياً.

لكن الرجل الذي كن واقفاً وراء الستاند الضعيف بدا عامراً بالثقة.

أتهاجمينني أيتها الحمقاء؟ سوف ترين!

قال كوكاكى إن ستاند فولبي يمنحه القدرة لحكم العالم.

سأريكِ لماذا لدى الستاند الخاص بي القوة التي تجعلني أقوى من البشر!

أطلق مانيك ديبرشن صرخة حادة، ولف ذراعيه حول فولبي.

اخترق عدد لا يُحصى من الإبر جسمه.

واستقرت تحت جلده.

ثقبت رؤوسها الحادة لحم فولبي.

وكان هناك صوت سحق، صوت شيء يتمزق.

صوت جسد يتحرر من الحدود المادية.

فُتح فم فولبي، لكن صوت الأنفاس الصادرة عنه كان غير إنساني. تقدم خطوة إلى الأمام عندما وصلت إليه السيارة.

لكن السيارة توقفت عند جذعه.

قبل أن تصدمه السيارة، تحركت ذراعاه بسرعة لا تراها عين الإنسان، كان قد ضرب قبضتيه بغطاء المحرك، وانقلبت السيارة في الهواء.

بيديه العاريتين.

بجسده.

جعل سيارة تزن طناً تثب من على الأرض مثل كرة المضرب.

رقصت السيارة في الهواء، ودارت. فقط عندما لمست الأرض تذكرت وزنها. وحصل تصادم هزَّ الأرض.

كانت الضربة التي دمرت السيارة قوية لدرجة أنها لم تنفجر، لقد تجعَّدت وحسب، وتحولت من سيارة إلى كتلة من المعدن.

تحرك فولبي تجاهها، وهو ما يزال ملتفاً بمانيك ديبرشن.

مزق السقف عن السيارة وكأنه يزيح بطانية عن سرير.

كانت شيلا إي في الداخل مضرجة بالدماء.

حدقت في الوحش الواقف أمامها وكأنها ترفض تصديق أن أياً من هذا قد حدث.

قال فولبي: "توجد مشكلة واحدة في هذه القوة. لا يمكنني استخدامها لفترة طويلة. لكن فيتوريو ذهب لإحضار الوسيلة اللازمة للتغلب على هذا الخلل. كنز يمنح الإنسان الخلود. أتعلمين ماذا يعني ذلك؟"

"...."

"يعني أن أملكم الأخير قد انهار للتو."

***

تضم كاتدرائية سيراكيوز إحدى أكثر المعالم المهيبة على جزيرة أورتيجيا بلا ريب. بعد أن غزا الطاغية Gelon سيراكيوز في المركز الخامس القرن، أعاد بناء معبد أثينا القديم مع صرح إغريقي حديث، بحيث تشمل جدران المبنى الحالي أعمدة دوريان بشكل بارز. تم تجديده عدة مرات، يبدو داخله وخارجه وكأنهما ينتميان إلى مبنيين مختلفين تماماً. فالتصميم الداخلي بسيط، ورتيب وعصري يناقض بذلك أسلوب عصر النهضة.

تتلاشى رطوبة الهواء في الخارج، وتتحول إلى برد جاف بمجرد أن تخطو إلى الداخل.

دخل فيتوريو لاهثاً، ومرَّ عبر الكاترائية.

كانت عيناه مثبتتين على أعمق جزء من الكاتدرائية، حيث تم تبجيل بقايا القديسة سانت لوسيا.

لم يكن المزار ما يسعى إليه، بل الأحجار في الجدار بجانبه.

"7 ،3 ،4..."

أحصى الأحجار وفق التسلسل الذي قيل له. وقاده ذلك إلى واحدة لم تبد مختلفة عن أي شيء حولها.

إلا أنه امسك بنصل دوللي داغر واستعمله لهدم الجدار، وأخرج الشيء المدفون بداخله: شيء ليس بأكبر من وجه إنسان.

كان ثقيلاُ. وجه منحوت في الحجارة، لا تبدو عليه آثار منتجات الإغريق أو الرومان، من الواضح أنه من آثار الأزتيك.

قناع حجري.

هذا ما أطلقوه عليه، إلا أن أحدا لم يعرف اسمه الحقيقي. حاول النازيون اكتشاف الأمر، لكنهم لم يستطيعوا ذلك.

قال فيتوريو: "ها هو!" شعر بثقله في يده، وابتلع ريقه بصعوبة.

شعر أن العينين المجوفتين في القناع تحدقان به.

"ولكن كيف يعمل؟"

قلبه، كانت هناك كلمات منحوتة في الخلف، لكنه لا يستطيع قراءة أبجدية الأزتيك.

تم تأمين القناع الحجري، وحان الوقت للانضمام إلى فولبي، التفت ليغادر...

...وسمع أحدهم يصفق.

ماذا...؟

تم غسل دماغ كل من في الجزيرة. لكن هذا التصفيق لم يبدُ عَرَضاً من أعراض ذلك الجنون.

ثم ذُعر فيتوريو.

فقد اختفى القناع من يده.

كان القناع على الأرض، لكنه لم يسمع صوت سقوطه.

انحنى ليلتقطه ، لكنه هرب منه، وانتفض على الأرض مثل كائن حي.

تحرك مثل الصرصور، كان سريعاً جداً، اندفع، وركض فيتوريو خلفه.

توجَّه نحو القاعة الرئيسية في الكاتدرائية.

كان هناك رجل يقف هناك، ويصفِّق، اتجه القناع نحو قدميه، وتوقف.

كان رجلاً متأنقاً إلى حد ما، يرتدي قبعة بورسالينو، لقد كان كانولو مورولو.

قبل أن تتاح لفيتورو الفرصة لأن يتفاجأ بكون مورولو على قيد الحياة، التقط الأخير القناع بيد واحدة بينما عض الإصبع السبابة من يده الأخرى بقوة كافية لجرحها.

ثم رفع إصبعه النازفة فوق القناع. فقطر الدم عليه. وجّهت الأخاديد الموجودة على القناع الدم.

وتفاعل القناع.

انطلقت عشرات المسامير المقوسة من حوافه. لو كان أحدهم يرتديه، لاستطاعت نهايتها المدببة اختراق الجمجمة، وتطويق الدماغ.

تعمل هذه الآلية على "دفع" الدماغ، أو "إيقاظ" إمكاناته الحقيقية، وجعلها بمتناول المرء، أومأ مورولو لنفسه.

تمتم: "إنه حقيقي." ثم أخرج مسدساً من سترته، ووضع الفوهة على القناع، وضغط الزناد.

تحرك بسرعة وبسلاسة لدرجة أن فيتوريو لم يدرك ما حدث حتى تحطم القناع إلى قطع.

ترددت طلقات الرصاص في قاعة الكاتدرائية.

انتحب فيتوريو: "اللعنة! لا.. لا، أنت لم تجرؤ على فعل ذلك!"

حدق مورولو به ببرود وقال: "أكان هذا سر الخلود؟ أتعلم ماذا قال لي جورنو؟ لقد قال: لا شيء في هذا العالم أبدي أو مطلق. أي شيء يبدو كذلك فهو مجرد وهم."

كلما تقدم في حديثه، كلما صارت نبرته أقوى:

"كان تدمير هذا القناع هو هدفي الحقيقي. ولهذا السبب تعمدنا تركك تهرب حتى الأن. كنا بحاجة لأن تقودنا إلى المخبأ."

"ما.. ماذااا!؟"

"جورنو نفسه لا يمكن له أن يقترب من القناع، لأن ذلك سيكون ذلك بمنزلة إعلان الحرب ضد كوجو جوتارو ومؤسسة سبيدواغون. لذلك أتيت بدلاً عنه، أخدمه كيديه وعينيه."

تأمل فيتوريو بنظرة ثابتة، وقال:

"أحسنت. لقد أديت دورك."

صرخ فيتوريو: "كُلْ القذارة ومتتتتت!" ، ورفع خنجره.

انعكس وجه مورولو بوضوح في النصل.

"دوللي داجر سينهي أمرك!"

شق فيتوريو حنجرته وتدفقت الدماء، لكن سبعين في المئة من الضرر سينتقل إلى الشخص المنعكسة صورته على النصل. سيترك على فيتوريو خدشا صغيرا فقط، سيتحمل ثلاثين بالمائة من الضرر، وبالمقابل سيضمن تحقق الضرر على خصمه. هذا ما جعل من دولي داغر ستاندا قويا جدا.

لم تكن هناك استثناءات. لا شيء يمكن أن يحمي من تأثير هذا الستاند. أيا كانت الإصابات التي يصاب بها فيتوريو سيصاب بها هدفه. يمكن له أن يقطع الماس كالمطاط. سيتمزق حلق مورولو بالكامل.

أو هذا ما ينبغي أن يحصل.

ولكن مرت ثانية، ثم أخرى، ومورولو ما يزال واقفاً في مكانه بهدوء، وحلقه لا ينزف.

قال فيتوريو: "إيه؟" وازداد قلقه، هبط شيء ما مرفرفاً من الأعلى.

كانت قصاصة صغيرة من أوراق اللعب.

ملك البستوني. سقطت الورقة على الأرض. كان هناك شق قطع أغلب الورقة.

كان حلق الأمير المرسوم على البطاقة ممزقاً.

"ماذا بحق الـ...؟"

نظر فيتوريو لأعلى ... وشهق.

كان سقف Duomo العالي مغطى بهم.

مجموعة من أوراق اللعب، لكل منها ذراعان ورجلان، تتشبث بالجدران ونوافذ الزجاج الملون.

"ماذا يكونون؟"

"فرقة برج المراقبة مجرد اسم مسرحي. اسم للتخفي. إنهم قتلة متخفون. ثلاثة وخمسون بطاقة، إنهم ستاند واحد، اسمه All Along the Watchtower."

"أ..."

هذه البطاقات هي من سرق القناع من يده. إنهم صغيرون ورقيقون لدرجة تمكنهم من الانزلاق في أي مكان دون أن يلاحظهم أحد، يمكنهم تمويه أنفسهم والتحقيق في أي شيء. إنها المهارات المثالية لجاسوس.

"وفقا للباحثين في مؤسسة سبيدواغون، عندما يظهر الستاند بشكل مجموعة كهذه، فهي علامة على أن للمالك فراغ في داخله. كان ستاند ريسوتو «ميتاليكا» من نفس النوع، وكذلك ظهر اثنان في بلدة صغيرة في اليابان تسمى موريو- تشو، كان اسمهما «باد كامباني» و«هارفست/الحصاد». كان لمالكيهما شيء أساسي مفقود في تكوينهما العقلي. كان يفعلان أي شيء ليحققا أهدافهما، كخيانة الأصدقاء طمعاً بأشياء صغيرة، وأشياء كهذه. أنا لا أثق بنفسي. ولهذا الستاند الخاص بي مُقسَّم. لا أؤمن بوجود شيء ثابت في هذا العالم."

كانت بطاقة الجوكر ترقص عند قدميه، وتغني:

"لالا، لالالا، ليلالا، ليلاليلا..."

كانت البطاقة تغني «رأيت جمجمة». كانت الأغنية علامة على المرض الذي ينشره نايت بيرد فلاينغ.

"هـ.. هذا يعني.." نظر فيتوريو حوله، ثم إلى مورولو.

أومأ مورولو برأسه وقال: "بالضبط. الستاند الخاص بك وبأنجيلكا يؤثران عليَّ، لكن تأثيرهما مُقسَّم على ثلاثة وخمسين. عندما يهاجمني مستخدم ستاند، يمر هجومه بكل بطاقة، واحدة تلو الأخرى، ولا يصلني من أثر هجومه إلا القليل. أتفهم ما يعنيه هذا؟"

"يا إلهي..."

"كل هجوم تشنُّه، يؤثر عليك بنسبة ثلاثين بالمائة. ولكن جزءاً فقط من أصل 53 يصل إليَّ. لا مجال للمقارنة. 30% مقابل 1.3% هذا فرق لن تتغلب عليه أبداً. أنا عدوك الطبيعي. مهما سقطتَ لا يمكنك هزيمتي."

"آااااه!"

"إذا يا فيتوريو كاتالدي، هل تعرف لماذا أشرح لك كل شيء بكل صبر؟"

"آااااااااه..."

"لأنني أعرف بماذا تشعر. حالك كحالي: لديك فراغ في قلبك. لقد ولدت وترعرعت في قعر المجتمع، تمت معاملتك كالقمامة، لم تحظ بأمل. لم يعلموك شيئاً سوى السرقة أو القتل. لم تشعر أبداً بوخزات الضمير. قد يبدو من الجيد أن تقول إنه ليس لديك مخاوف، لكن هذا يعني في الواقع أنه ليس لديك أي شيء قيم لتخشى خسارته. لقد قضيت حياتك بتفريغ نقمتك على أي شيء يغضبك أو يغيظك. هكذا قضيت حياتي أنا أيضا. إلى أن التقيته."

"جررر..."

"ظننتُ أنني لا أقهر. كنت واثقاً من قدرتي على قتل أي شخص تطلب مني تصفيته. وعندما حرَّضتُ ريسوتو وديافولو ضد بعضهما، لم استمتع بذلك، كان ذلك مجرد عمل، وكله يصب في صالحي. لم أتعب أعصابي مع أي منهما، لم أسمح لنفسي أبداً بأن أشعر بالضغط من أجل أي شخص طوال حياتي. ولكن بعد ذلك..."

حدّق مورولو بعيداً، كما لو كان يحدق في الأفق.

"لأول مرة فكرت بصدق: هذا رجل لا أريد أن أخيب ظنه بي. أتعرف ما الذي قاله لي في المرة الأولى التي التقيت به؟ لقد قال:

أنت لم تخن أحدا. لم يسمح لك أحد بذلك. فأنت لا تثق بأحد، لذلك لم يثق بك أحد. لا جدوى من كونك لا تقهر. قد تكون قوياً، لكنك لن تجد هدفاً في المستقبل. لا جدوى، لا جدوى."

"كان ذلك مخزياً. لقد رأى الحقيقة داخل الفراغ الذي كنت أعيشه، وتركتني محرجا للغاية. لم أشعر بهذا من قبل. كما لم أعرف الشعور بالخزي، كانت تلك أول «حرارة» دخلت حياتي على الإطلاق. وإلى أن أصابتني تلك المشاعر، كنت فقط أضيع وقتي في الحياة."

"...."

"لم أثق بأحد أبداً، سواء أكان جيداً أم سيئاً. لم أشعر بالذنب أبداً عند خيانتهم. لم أميِّز بين الصواب والخطأ أو بين الخير والشر. لكني لن أفعل شيئاً يجعله محبطاً. لا يهمني من يبصق علي. ولكن ماذا عنك؟"

"...."

"انتهى أمر فولبي، إنه خطر جداً ولا مجال للتفاوض معه. أنجيلكا قد انتهى أمرها بالفعل، فهي لن تعيش طويلاً. ولكن أنت؟" حدَّق مورولو بفيتوريو طويلاً، قم قال: "أنت مختلف يا فيتوريو كاتالدي. بإمكاننا العفو عنك."

"...."

"لنكن أصدقاء يا فيتوريو. أنت قوي وبإمكانك أن تكون مفيداً له. أنا لا أثق بك، وأشك بأننا سنثق ببعضنا بعضاً يوماً ما، لكن هذا لا يهم، ولا صراعنا الحالي يهم أيضاً. لديك القدرة على صنع المستقبل، وعلى العمل من أجل تحقيق هدف ما. هل ستستعمل موهبتك لتجعل من حلمه واقعاً؟"

قال كل ذلك بنبرة مدروسة لا تشبه أسلوبه المعتاد في الكلام. كأنه يكرر حرفياً كلاماً قد قيل له. كانت تلك النغمة الهادئة المتوازنة تنتشر عبر العالم، من شخص لآخر.

"...."

ارتعش وجه فيتوريو. كأن عضلات تتقاتل فيما بينها، كل واحدة تحاول التعبير عن العواطف المضرمة بداخله بطريقتها الخاصة.

في النهاية عزم أمره، ورفع رأسه وصرخ:

 

"آاااااااااااااااااااااااااههههههههـ!"

 

وبينما كان يصرخ، رفع خنجره، ووجَّه النصل نحوه نفسه، وأخذ يطعن حلقه، وصدره، ووجهه، وذراعه، وساقه، وعينه، وأنفه، وشفتيه، وأذنه، وسرته، لقد تقطَّع كلُّ شبر من جسده.

هطلت أمطار من البطاقات من السقف. كل طعنة سددها قتلت بطاقة واحدة. إذا استطاع أن يضر بواحدة فقط من أصل ثلاثة وخمسين فسيستمر بالطعن حتى يقتل كل واحدة، لم يتردد فيتوريو.

راقبه مورولو بدون أن تظهر أية تعابير على وجهه. وبعد قليل، سالت بعض قطرات من الدم من فمه.

لقد وصل الضرر إليه. أشرق وجه فيتوريو، فكر:

لقد فعلتها! أنجيلكا! ماسيمو! كوكاكى! لقد فعلتها! لقد ربحت! النصر لي!

ثم توقفت يده عن الطعن.

سقطت ذراعاه، تمايل رأسه، انهارت ركبتاه. كلهم دفعة واحدة.

تناثرت الدماء من كل شبر من جسده الضعيف والمصاب، وسلبته إصاباته القدرة على الوقوف.

سقط الخنجر من يده. تلاشت القدرة التي كان يمنحها الستاند له، تاركة فقط خنجراً قديماً صدئ وراءها. عندما لامس الخنجر الأرض تحطم، سقط جسده على الشظايا، ولم يتحرك مرة أخرى.

لقد مات.

كان وجهه مغطى بالندوب، فصار من المستحيل التعرف عليه.

أخرج مورولو منديلاً من جيبه، ومسح الدم عن شفتيه. كان المنديل مبللاً بمياه البحر ولم يمسح جيدا، ولكن الدماء كانت قليلة فسمحها بسهولة.

خلع قبعته ووضعها على صدره، وانحنى للجثة.

ثم وجه نظره إلى المدخل، وهمس متسائلاً: " كيف حال فوغو وشيلا-إي يا ترى؟"


اسم الستاند: All Along the Watchtower

اسم المستخدم: كانولو مورولو (32)

القوة التدميرية: C - السرعة: B - المدى: A

الاستمرارية: A - الدقة: A - التطور: E

القدرة: هذا الستاند عبارة عن مجموعة من الأوراق. عندما تبني منها برجاُ فإن البطاقات تكشف عن ذراعين وساقين، وتقدِّم مسرحية لتخبر المالك ما يريد أن يعرفه. مدعية بأنها تتوقع المستقبل، لكن في الواقع، كل ورقة من هذه الأوراق الثلاثة والخمسين مستقلة عن الأخرى وتعمل كستاند اغتيال بعيد المدى، تطلع البطاقات مورولو على المعلومات التي تجمعها. لقد أخفى ذلك عن حلفائه. عينه الرئيس لاغتيال الخونة على نحو سري.

2 comments

Author
avatar

يعطيك العافية، فصل رائع!

Reply
Author
avatar

شكرا الترجمة
إبذلي جهدك💖

Reply